الجزيرة.. شيكا بيكا
ما إن ارتطمت أول طائرة ببرج التجارة العالمى فى نيويورك، فى أحداث 11 سبتمبر المفجعة عام 2001، والتى قضت على 2973 ضحية، و24 مفقوداً، إضافة لآلاف الجرحى.. كانت هناك أكثر من كاميرا مستقرة فى المكان تنقل الحدث، من زوايا متعددة، فى استعداد لما حدث لا تخطئه عين، بالرغم من أنها لم تكن أمريكية التبعية، بل كانت قادمة من الدوحة عاصمة قطر،
حيث قناة الجزيرة التى نقلت عنها كل القنوات، بما فيها الـ CNN المعروفة بمتابعتها للأحداث حول العالم فى التو واللحظة.. فهل كانت «الجزيرة» على علم بالحادث قبل وقوعه فاستعدت له؟.. هذا سؤال لم يجب عليه أحد حتى الآن!.
ما إن وقع تفجير الحسين عام 2009، الذى استهدف بعض السياح الفرنسيين، كانوا يتجولون فى ذلك الحى التاريخى العريق، إلا وكانت كاميرات الجزيرة على الجانب الآخر من الشارع، تنقل الحدث لحظة وقوعه.. مما لا يعد براعة مهنية من القائمين عليها، بقدر ما هو أمر يدعو لنفس السؤال: هل كانت الجزيرة على علم مسبق بالواقعة؟.. وهو ما لم يجب عليه أحد أيضاً!.
سافر زميلى، مسئول الشئون العربية بجريدتنا إلى دمشق، برفقة وفد إعلامى مصرى، انضم إلى نظرائه من بعض الدول العربية، دعتهم السلطات السورية لزيارة فى أنحاء القطر السورى.. وعاد زميلى ليخبرنى بكذب ما نشاهده على شاشة «الجزيرة» وتبثه على أنه يحدث هناك، وهو فى الحقيقة أكذوبة كبيرة، لم يجد لها زميلى ومن كانوا معه معادلاً موضوعياً على أرض الواقع، إنما هى صور تبثها وأحداث تتعمد تضخيمها.. فهل كانت الجزيرة تنفذ أجندة لحساب الآخرين على الأراضى السورية؟.
هذا هو السؤال الوحيد الذى أجابتنا عنه الأحداث الأخيرة فى مصر، منذ قيام ثورة 30 يونيو، تلك التى فضحت لنا أكاذيب الجزيرة وعرت سوأتها، بما شوهته من الصورة الحقيقية لما يجرى على أرض مصر، انحيازاً للإخوان المسلمين، وتضامناً مع رئيسهم المعزول، وتنفيذًا للأجندة الأمريكية فى الشرق الأوسط، خاصة فى مصر وسوريا.
لذا لم أستغرب، مع انطلاق قناة «الجزيرة أمريكا» من نيويورك، بالرغم من ارتباط القناة الأم فى الوعى الأمريكى بتسجيلات زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، العدو الأول ــ ظاهرياً ــ للولايات المتحدة.. ومع هذا فقد حظيت بموافقة السلطات الرسمية هناك، بالانطلاق متوجهة لأكثر من 40 مليون أمريكى، من خلال ثلاثة مراكز للبث و12 مكتباً فى كبريات المدن الأمريكية، وبكادر تحريرى يتجاوز الـ 900 صحفى، يبثون أخباراً مباشرة وبرامج حوارية ونشرات على رأس الساعة، لمدة 14 ساعة يومياً، بالرغم من تحذيرات باحثين إسرائيليين للسلطات الأمريكية بالتداعيات السلبية لانطلاق هذه القناة فى المجتمع الأمريكى، لأنها «تتبنى خطاً يشجع على تحدى سياسات الولايات المتحدة، وتدعم التطرف الإسلامى»، بينما هاجم رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية فى واشنطن برنامج «الشريعة والحياة» الذى يستضيف الشيخ يوسف القرضاوى، وقال بأنه «من أصدر فتوى تلزم المسلمين بالسعى لقتل الجنود الأمريكيين فى العراق، علاوة على امتداحه التفجير الذى أودى بحياة 341 من قوات المارينز فى بيروت عام 1983».
القناة التى يمولها أمير قطر، قدمت نفسها للمشاهدين الأمريكان، لحظة انطلاقها، بتقارير عما أسمته بـ «الصراع السياسى فى مصر».. وربما يفسر ذلك، ما ذهب إليه البعض من أن الهدف الأساسى للجزيرة، هو الوصول إلى الشعب الأمريكى من أجل حشد تأييد الرأى العام هناك، للموافقة على مواقف الإدارة الأمريكية من الأحداث فى الشرق الأوسط، وهو هدف يستحق أن يدفع الأمير القطرى من أجله 500 مليون دولار، مقابل إتمام صفقة بدء بث الجزيرة على الأراضى الأمريكية.
ويكفينا ما قاله ييجال كارمون - رئيس معهد الشرق الأوسط للأبحاث - من أن «قطر ــ فى النهاية ــ دولة ديكتاتورية، وفى الدول الديكتاتورية، فإن وسائل الإعلام تعتبر ذراعاً للسياسات الخارجية».. ويكفينا وصفه للقناة بـ «عدم الحيادية فى نقل الصورة للمشاهدين»، وما ينبئك مثل خبير، فما بالنا فى مصر، ونحن شهود على تزويرها وكذبها الذى فاق الحدود!.
إن القناة التى قامت على أنقاض قناة «كرنت» الأمريكية التى أسسها نائب الرئيس الأمريكى آل جور، والتى تساندها قناة الـ CNN بقولها إن «انطلاق الجزيرة أمريكا جاء بعد سنوات من مواجهة الصعوبات»، إنما جاءت لتكون أول صوت عربى، ناطق باللغة الإنجليزية على الأرض الأمريكية، لأن إدارة البيت الأبيض تريده مسوغاً، ولو كاذباً، أمام الرأى العام الأمريكى، لقبوله بما يصدر عن ذلك البيت، خاصة أن الجماهير الأمريكية قد ضجت من الصخب الأمريكى خارج الحدود، والذى صار عبئاً ثقيلاً على دافع الضرائب، فى الولايات المتحدة الأمريكية.