البحث عن الاستعلامات
«ليس من المهم أن تكون على صواب، الأهم أن يعرف الآخرون أنك على هذا الصواب».. هذه هى القاعدة التى اتفق عليها ويؤكدها علماء العلاقات العامة فى السلوك الإنسانى، إذا أراد الإنسان أن يفهمه الآخرون، ممن حوله، على الصورة الصحيحة التى هو عليها بالفعل.. ينطبق ذلك على الأفراد كما الجماعات، وكذلك الدول.
وقد برهنت الأحداث الأخيرة فى مصر، منذ ثورة 30 يونيو المباركة، على أن الدول أحوج ما تكون إلى تطبيق هذه القاعدة، خاصة إذا كانت محاطة بالمتربصين الذين يحاولون الإساءة لها وسوء تقديم ما يصدر عنها، لحاجات فى نفوسهم.. فمصر التى انتصر فيها الشعب لإرادته فى كسر قيود الهيمنة ومحاولات فرض الإرادة الإخوانية على حياته، ودعمت القوات المسلحة هذه الإرادة، باعتبارها من الشعب وإلى الشعب، بل ووقفت تذود عن هذه الإرادة بكل نبل وشرف، كما هو المأمل فيها دائماً، واجهت دعايات مغرضة، وآلات إعلام كاذب، عربى وغربى، ومعهم ألسنة حِداد، لم ترع فى هذا البلد «إلاً ولا ذمة» راحت تزيف الحقائق وتزين الباطل، خاصة عند الرأى العام العالمى، بغية تأليب الغرب على مصر، وتصوير ما حدث من انتفاضة لأكثر من 40 مليون مصرى، خرجوا إلى الشوارع، منادين بالحرية والفكاك من أسر جماعة الإخوان التى سرقت مصر فى غفلة من الزمن، على أنه انقلاب!.
ولأن هذه الأكاذيب جاءت على هوى الغرب، فقد راحت آلات الدعاية تتلقف ما يقوله «جوبلز» الإخوانى، وتصوره على أنه الحقيقة المطلقة، بل دفعت بعضاً من محطاتها للترويج لهذه الدعايات المغرضة.. وما كان لكل هؤلاء أن يحرزوا أى نتيجة مما ذهبوا إليه من تزييف الحقائق، لولا خلو ميدان الرأى العام العالمى أمامهم، وفراغه من أى صوت مصرى يعرض الحقائق مدعمة بالصور، كما جاءت فى الواقع.
هذه المهمة، هى من أولويات مسئولية الهيئة العامة للاستعلامات فى مصر ومندوبيها فى سفاراتنا بالخارج، ثم هى بعض من أنشطة وزارة الخارجية، وبعد ذلك يأتى دور الإعلام الخاص والدبلوماسية الشعبية.. فالأولى تفرش الأرض بالحقائق المعلنة عما حدث فى مصر، وتتمم وزارة الخارجية الصورة وتفسر ملامحها، وتؤكد بعض تفصيلاتها وما غمض منها، ثم تساهم الدبلوماسية الشعبية والإعلام الخاص، بقدر طاقاتهما فى التأكيد على الصورة، فى نوع من الإلحاح الضرورى لتثبيت الصورة!.
لكن الذى حدث ــ بقصد أو عن غير عمد ــ أن غابت هيئة الاستعلامات عن المشهد، وتركت المجال مفتوحاً أمام كل مغرض، يتقول على مصر بالباطل، ويزيف الإرادة الشعبية أمام الرأى العام العالمى كيف شاء، حتى ساءت الصورة وتعقد المشهد، وبدلاً من أن نحتفى بثمار ثورتنا الرائعة، رحنا نجتهد فى الدفاع عنها وتصحيح صورتها، وبدلاً من أن تنطلق وزارة الخارجية لتأكيد دعائم سياستها الجديدة، خاصة فى أفريقيا، انشغل وزيرها وبعض سفرائها، إلا المحسوبين منهم على جماعة الإخوان، بمحاولة تصحيح الصورة الشائهة فى نظر الغرب، مما استنفد وقتاً وجهداً كبيرين، كان من الممكن استغلالهما فيما هو أجدى وأفيد.
وإذا كنا نحسب على وزارة الإعلام تأخرها فى مواجهة أباطيل قناة الجزيرة، وعبثها بالصورة الحقيقية للثورة، فإن الملامة ضخمة على هيئة الاستعلامات، لأنها قصرت فى مهمتها، ولم تتواصل مع الرأى العام العالمى فى كثير من الدول بالقدر الكافى وفى الوقت المناسب، بل وغيابها عن أماكن كثيرة أخرى، وذلك ما يحتاج نظرة مدققة فى أداء هذه الهيئة ومعالجة الخلل فيه، سواءٌ لدى ملحقيها بسفاراتنا بالخارج، أو عدم قدرة الموجودين فى القاهرة على التواصل الجيد مع المراسلين الأجانب والتأثير فيهم.
وبالرغم من أن أصوات كثيرة قد بحت، منذ تفجر الثورة، فى إشارة منها لقصور أداء الهيئة، فى لحظة فارقة من تاريخ مصر، إلا أن مسلسل التقصير مازال مستمراً.. فقد أقامت دار التحرير للطبع والنشر مؤتمراً صحفياً يوم الاثنين الماضى تحت عنوان «رياضيون ضد الإرهاب» بحضور نخبة من نجوم الرياضة فى مصر، وخاصة من احترف منهم فى الخارج، ومعهم نخبة من السياسيين والخبراء الاستراتيجيين، وكتاب وإعلاميين، وقنوات عربية ومصرية كثيفة العدد، إلا أن المراسلين الأجانب بالقاهرة غابوا عن المشهد، بالرغم من مخاطبة دار التحرير للهيئة بضرورة دعوتهم للمؤتمر الذى تحدث فيه نجوم الرياضة للرأى العام فى البلدان الذين احترفوا فيها، كلٌ بلغته، لكننا كنا كمن يتحدث إلى نفسه، مع أنها كانت رسالة مباشرة من القاهرة للخارج، عن أن مصر بلد الأمن والأمان، تفجرت فيها ثورة شعبية، ساندتها القوات المسلحة، لنبدأ بعدها خارطة طريقنا الصحيح، بعيداً عن كل الموتورين.. انتهى الأمر.
■ رئيس تحرير بوابة الجمهورية أونلاين
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.