الفرار من الوحل
تردد وخيبة أمل وارتباك.. علامات بدت واضحة على الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وهو يتحدث أمس الأول عن تريثه فى اتخاذ قرار ضربته العسكرية على سوريا.. ذلك أنه لا يمكن لرئيس الولايات المتحدة، أو أى رئيس آخر أن يبرر عدواناً لا مبرر له على الإطلاق،
اللهم بخداع الرأى العام فى بلاده، مثلما يحاول أوباما أن يفعل، ومثلما فعل الرئيس الفرنسى أولاند، بينما لم يتمكن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون فعل ذلك، ورفض برلمان بلاده تفويضه بالمشاركة فى هذه الحرب التى لا تقوم على أساس منطقى.
حاول أوباما أن يُسوق للرأى العام فى بلاده، ومن ثم لشعوب الدول التى كان يود أن تناصره، أن ما حدث فى سوريا ــ الذى مازال أمراً لم يقم عليه دليل حتى الآن ــ «أسوأ مجزرة بالسلاح الكيماوى فى القرن الـ 21، ارتكبها نظام الأسد.. الوحش»، كما وصفه.
فشل أوباما أن يحصل على تفويض من الأمم المتحدة بضرب سوريا، بدعاوى الإنسانية وحماية أصدقاء واشنطن فى المنطقة، ثم تراجع مؤيدوه، وعندما وجد نفسه وجهاً لوجه بتصريحات عنترية أطلقها بضرورة معاقبة نظام نظام الأسد، يجب عليه تنفيذها، قرر الرجوع إلى الكونجرس للحصول على مباركته للضربة العسكرية، بعد ارتفاع الأصوات التى تطالب أوباما بضرورة الرجوع إلى الكونجرس للحصول على هذه الموافقة، وهو الذى طالما رفض، يوم كان عضواً فى مجلس الشيوخ الأمريكى، أن يأخذ أى رئيس أمريكى قراراً عسكرياً كبيراً دون العودة إلى الكونجرس.
على أنه يجب التأكيد، على أن لجوء أوباما للكونجرس مغامرة منه.. لأنه يعلم أن الشعب الأمريكى سئم من الحروب، ولذا فإنه لا يفكر فى نشر قوات على الأرض، حتى لا تتعاظم خسائر بلاده ويطول أمد المعركة، كما أن المغامرة تتأتى من أن الكونجرس لم يتعاون مع أوباما خلال السنتين الماضيتين.. ومن هنا، فإن عدم موافقة الكونجرس على طلبه ستمنيه بنكسة كبيرة، لن يستطيع الوقوف على قدميه بعدها، بالرغم من أنه فتح الباب لنفسه لاحتمالية الهرب من المأزق حينما قال إن الضربة قد تكون غداً أو الأسبوع القادم أو بعد شهر، ولم يقل إنها ربما لا تأتى، محاولة منه لكسب الوقت، سعياً للحصول على حل دبلوماسى يمنع شن الهجوم الذى رأى أنه بسبب أن «أمريكا لا يمكن أن تغض الطرف عما حدث فى دمشق»، لكنه يدرك تفجرات الموقف العربى الذى بات واضحاً رفضه لهذه الضربة، وعلى رأسه الموقف المصرى المشرف، الذى جاء من قيادات سياسية وأخرى دينية، على رأسها شيخ الأزهر الشريف، كما سمع عن 2800 «كاميكازى» سورى، ربما أعادوا للأذهان ما كان قبالة السواحل اليابانية خلال الحرب العالمية.
إن إحدى الاحتمالات تقول بأن نظام الأسد ربما أزال الحرج عن أوباما، وقدم له الحل على طبق من فضة، بإبادة أسلحته الكيمياوية بنفسه، أو نقل ترسانته من الأسلحة غير التقليدية إلى روسيا أو إلى دولة ثالثة، مقابل عدم شن الهجوم على سوريا.. وقد كانت هناك رسائل متبادلة بهذا الخصوص بين الأسد وروسيا، تحدث عنها دبلوماسيون مطلعون على الملف السورى، لكن دون تصديق رسمى عليها.
الغريب فى الأمر.. أن خطاب أوباما وقراره بانتظار موافقة الكونجرس سببا خيبة أمل كبيرة فى الأوساط السياسية الإسرائيلية، بالرغم من أن الموقف الرسمى المعلن لتل أبيب بأن «إسرائيل ليست طرفاً فيما يحدث فى سوريا».. وقد وصفت صحيفة «معاريف» أوباما بأنه «جبان» وأنه أصبح يخشى شن هجوم على سوريا، ويبحث عن مبررات لعدم شن هذا الهجوم.
وتبقى صدمة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى حليفه الإستراتيجى كبيرة، فقد كان يود بشدة أن يرى عملية عسكرية أمريكية فى سوريا، تعيد لأمريكا مصداقيتها، وتعزز من قوة الردع الأمريكى فى المنطقة، وتوجه رسالة شديدة اللهجة أيضاً إلى إيران، ولمن وصفهم بـ «العناصر المتطرفة فى المنطقة»، لأن الانطباع الذى سيتحقق من التردد الأمريكى فى الشأن السورى، هو أن تبقى إسرائيل وحيدة فى المواجهة العسكرية ضد إيران، كما أن هذا التردد يعنى أن أوباما يسعى إلى تقليل حجم الدور العسكرى فى المنطقة، وعدم التورط فى حروب إقليمية فى الشرق الأوسط، والتفرغ لمشاكله فى الداخل، مع نقل محورية السياسة الخارجية الأمريكية صوب الشرق الأقصى، بعد أن خيب الإخوان ظنه فى مصر، وسوريا أيضاً.. وفى هذا إضعاف لقوة إسرائيل فى المنطقة.
■ رئيس تحرير بوابة الجمهورية أونلاين
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.