المثقفون والتنوير
التنوير هو الاستخدام العام لعقل الإنسان في جميع القضايا، وتبني شعار "لا سلطان على العقل إلا للعقل " وهو شجاعة استخدام العقل، والدعوة إلى تجاوز العقائد الغيبية، والإيمان بقدرة الإنسان الذاتية على الفهم والتحليل والتشريع، والدعوة إلى الدولة العلمانية، وهو الدعوة إلى المنهج التجريبي الحسي المادي واعتباره المنهج العقلي الوحيد الجدير بالثقة والاتباع.
لقد عانت مصر منذ بداية الثمانينات وحتي الآن من موجات التطرف الإرهاب، وتغييب العقل، وغاب الوعي والفكر التنويري الذي يؤمن بالوطن وضرورة حمايته، ويمتلك المثقفون والمفكرون وحدهم هم القدرة على نشر الفكر المعتدل،والخالي من التعصب ولابد ان تتعاون الدولة معهم، وتمنحهم الأدوات المناسبة والبيئة الملائمة من اجل تمكينهم من الاضطلاع بتلك المهمة الجسيمة. وإعطاءهم الحرية لاختراق الممنوعات والقوالب الجامدة في عالمنا اليوم.
وبدون تمكين المثقفين المعتدلين، ستظل مكافحة الإرهاب أسيرة المواجهات الأمنية وحدها، بما يضفي علي الدولة صفات الدولة البوليسية.
وفي مصر ظهر دعاة التنوير عندنا في مطلع القرن الثامن عشر علي يد رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. وظهر بعدهما الشيخ علي عبد الرازق وكتابه الإسلام وأصول الحكم وبعده الدكتور طه حسين. وفي عصرنا ظهر الناقد والمفكر حسن حنفي، والدكتور فرج فودة والدكتور جابر عصفور. وغيره من المفكرين الذي نادوا بضرورة إعمال العقل
والغريب أنه في الوقت الذي كانت الدولة تعاني فيه من سطوة العمليات الإرهابية عام 1992 قامت بمصادرة عدة كتب، في معرض القاهرة الدولي للكتاب منها أربعة كتب للمستشار محمد سعيد العشماوي هي. الإسلام السياسي، الخلافة الإسلامية، الربا والفائدة في الإسلام وأصول الشريعة.و كتاب ما رواء الحجاب للباحثة سناء المصري.و قنابل ومصاحف للصحفي عادل حمودة.ورواية العراة لإبراهيم عيسي.وديوان أية جيم للشاعر حسن طلب.
ونشر في تلك الفترة عمل من الأعمال الأدبية الرائعة، وهو رباعية الإسكندرية لمؤلفها لورانس داريل،والتي تأخرت ترجمتها بسبب رأي للمفكر والكاتب المعروف عباس محمود العقاد.
ولم تترجم الا في بداية التسعينات بدا الدكتور فخري لبيب ثم ترجمها بترجمة كاملة للرباعية ونشرتها دار سعاد الصباح للنشر في القاهرة عام 1992.
ومنذ أن صدرت الرباعية عام 1992وهناك شبه تعتيم عليها، فلم يتناولها النقاد كما تناولوا غيرها من أعمال الروائيين الأجانب.مثل سومرست موم، وفرانز كافكا وهيمنجواي وهنري ميللر وبوريس باسترناك وألدوس هكسلي وديستوفسكي وجوته ودي أتش لورانس وغيرهم. بل نالت أعمال من هم أقل منه موهبة مثل مارسيل بروست وسيمون دي بوفوار وجيمس جويس اهتمام عدد كبير من النقاد المصريين العرب.
الرواية لتوضح بجلاء وجهة نظر أبطال الرواية من الأقباط في الحكم المصري والحكومة المصرية والمصريين بصفة عامة.
من جانبنا نري أن العقاد لم يجانبه الصواب في تحريضه علي عدم ترجمة الرباعية بالكامل، خصوصا وأن هناك جوانب مضيئة في الرواية تشير الي أزلية العلاقة بين المسلمين والأقباط
ربما لم يقرأ العقاد الرواية كلها واكتفي بقراءة أجزاء منها، ولاشك انه لو قراها كلها ووقف علي تلك الجوانب المضيئة لنصح بترجمتها فورا.