أموال وذهب داعش
لم يظهر تنظيم داعش فجأة، لكنه كان امتدادًا لتنظيم القاعدة فى العراق الذى أسسته وبنته الحكومات الأمريكية والحكومات العراقية المتعاقبة فى أعقاب غزو العراق عام ٢٠٠٣، وانضمت إليها فصائل الجماعات السنية المسلحة، مثل مجلس شورى المجاهدين والتى مهدت أكثر لقيام تنظيم دولة العراق الإسلامية.
اكتسب التنظيم خبرة تنظيمية وعسكرية، وكانت له قاعدة فقهية مؤسسة على المذهب السنى، خلال مقاومة الغزو الأمريكى للعراق، مكنته هذه الخبرة والشعارات السنية من التمدد والانتشار، وكان له هدف خفى هو مقاومة المد الشيعى بالوكالة، مستفيدًا من المال السعودى والخليجى الذى يبدو أنه توقف بعد سقوط حكومة المالكى.
الغريب أن القوى العظمى والإقليمية تتعامل معه، سلبًا وإيجابًا، حسب مصالحها
أما ما يميز التنظيم أنه لا يعمل بعقلية التنظيمات الأخرى، التى تخوض فقط القتال والمعارك، بل يدير المناطق الواقعة تحت سيطرته بعقلية الدولة، إذ يتولى مختلف شئون ورعاية مقاتليه والاهتمام بالمواطنين الذين يعيشون فى المناطق التى تخضع له، من تعليم وقضاء وصحة وكهرباء، وهو ما يرجح أنه يخطط لإقامة دائمة، وليست إقامة مؤقتة، فكان ينشئ دولة بمؤسساتها الرسمية من قضاء ومؤسسات عقابية وتعليم، بالمعنى الرسمى والقانونى لكلمة الدولة. وهو ما يرجح استعانته بعناصر تنظيمية من الموالين لصدام حسين.
فى أواخر عام ٢٠١١ تم الإعلان عن تشكيل جبهة النصرة لأهل الشام، وهى فرع تنظيم القاعدة فى سوريا بقيادة أبومحمد الجولانى، الذى أوفده تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق إلى سوريا لهذا الغرض، مع عدد من قادته المتمرسين فى العراق.
تكمن خطورة تنظيم داعش وقوته وقدرته التنظيمية فى الخلفية العسكرية لقادته القادمين من الجيش العراقى السابق، وأغلبهم تقلد مناصب مهمة فيه، لكن الإضافة الكبرى تكمن فى تناقضات الصراع السنى والشيعى فى المنطقة، فهذه الخلفية جعلته على علاقة وثيقة بالمخابرات السورية، لكن قيام الثورة السورية غير المعادلة فى المنطقة، ومع ظهور إيران كقوة إقليمية، تحاول فرض سطوتها على مقاليد الحكم فى العراق، وتحاول أيضًا طرد جميع الحلفاء لصالح بقائها مع أمريكا فى العراق، وتحاول رسم تحالف جديد عنوانه طهران بغداد دمشق واشنطن، وعزل الدول العربية الأخرى التى تتصدر المشهد.
بعد أكثر من عام على الإعلان عن انهيار تنظيم داعش المتشدد فى العراق وسوريا، ظهرت كميات هائلة من الذهب، تقدر بالأطنان، وهو ما ظهر من خلال انسحابها من سوريا، بالإضافة إلى أموال طائلة بالعملة الصعبة والمحلية، يمكن أن تضمن له الحياة لسنوات.
فقد كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، يوم الجمعة الماضى، فى تقرير مطول، أن مسلحى تنظيم داعش الذين انسحبوا من معاقلهم فى العراق وسوريا، كانوا يحملون مبالغ طائلة بالعملات الغربية والعراقية، فضلًا عن سبائك ذهبية، يقدرها خبراء مستقلون بحوالى ٤٠٠ مليون دولار أمريكى، نهبت من البنوك، أو تم الحصول عليها من خلال شركات إجرامية.
ويرى بعض المحللين أن بعض تلك الأموال نتجت عن بيع البترول الذى استولى عليه التنظيم من حقول النفط السورية.
كما قام قادة من داعش بغسل عشرات الملايين من الدولارات من خلال الاستثمار فى أعمال شرعية فى مناطق عدة فى الشرق الأوسط.
ونرى أن هذه الأموال تهدف جزئيًا إلى احتمال عودة داعش مستقبلًا باسم آخر، وأنها مخصصة لتمويل عودة التنظيم فى المستقبل، وخصوصًا بعد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قبل يومين سحب قوات بلاده من سوريا.
ظهرت تلك الممتلكات التى نهبها مسلحو التنظيم، خلال حملات دهم وتفتيش شنتها إدارة مكافحة الإرهاب فى العراق، فى الأسابيع الأخيرة على معاقل سابقة للتنظيم فى أربيل بإقليم كردستان العراق.