خطورة عدم تنفيذ الأحكام
فى البداية لست محاميًا، ولا علاقة لى من الناحية العملية بتنفيذ الأحكام.
غير أننى أشاهد أكثر من علامة تعجب واستنكار فى عيون كثير من الناس بسبب عدم قدرة الدولة على تنفيذ الأحكام التى تصدر من محاكمها.
أى قاعدة قانونية أو تنظيم يفقد سبب وجوده، إن لم يكن فعالًا ومنتجًا، فالقضاء دوره إنهاء المنازعات، وقد حذرت المحاكم من خطورة امتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية. لما فى ذلك من زعزعة الثقة فى الدولة كدولة قانون، تخضع فيها الإدارة لمبدأ المشروعية، وتلتزم بأحكام القانون، وتحترم الأحكام القضائية النهائية الصادرة وتلتزم بتنفيذها.
الغريب أن من يعانى من عدم تنفيذ الأحكام، هم رجال الدولة أنفسهم على اختلاف مستوياتهم، فلكى يحصل أى موظف على حقة الثابت والمعروف بموجب قوانين الدولة، عليه أن يرفع دعوى- رغم صدور أحكام فى ذات الشأن تخص زملاءهم- فلا بد لكل موظف أن يرفع دعوى مستقلة ليحصل على حقه، يحدث من أجل حصول الموظفين على مستحقاتهم المالية من الدولة، سواء بدلات أو تعويضات عن أعمال قاموا بها. وعلى ذلك يجب أن تكون الدولة نفسها قدوة لموظفيها فى احترام نصوص القانون والعدالة.
عدم تنفيذ الأحكام يعوق العدالة، وهى حالة من الظلم تحيق بالطرف الذى كسب القضية ويريد حقه المتنازع عليه. ويجعل الناس تلجأ إلى الطرق غير الشرعية للحصول على حقوقها.
وفى عصر تتزايد فيه فرص الاستثمار، ومحاولة الدولة جذب استثمارات للبلاد، فإنه ينبغى أن تكون لديها قدرة فائقة على تنفيذ الأحكام فور صدورها. المستثمر قبل أن ينفق جنيهًا واحدًا يسأل عن المحكمة المختصة فى حالة وجود نزاع، وغالبًا يشترط محاكم أجنبية حيث يوجد مقر إدارة الشركة التى يعمل من خلالها.
وربما كان هذا سببًا فى ظهور عصابات البلطجية، التى يلجأ إليها من كسب قضيته، لأجل استرداد حقوقه لدى الخصوم، ولا يجب أن نقلل من خطورة تلك الظاهرة التى يتولاها للأسف بعض المحامين، من أجل استرداد حقوق موكليهم نظير نسبة أخرى من قيمة تلك الحقوق.
فى قانون الإجراءات الجنائية المصرى، تسقط العقوبة بعد مرور خمس سنوات فى الجنح و٢٠ سنة فى الجنايات وأيضًا فى أحكام الإعدام، شرط وجود المتهم داخل البلاد، لكن فى حالة وجوده خارج البلاد يوقف التقادم. لأجل هذا يلجأ بعض المحكوم عليهم إلى تزوير بطاقات شخصية بأسماء أخرى، وذلك من أجل الهروب من تنفيذ الحكم، أو السفر خارج البلاد بالاسم المزور، حتى تنقضى فترة السقوط ثم يعود.
فى كل مناسبة يشدد وزراء الداخلية على ملاحقة الهاربين ويقولون إنه لا توجد موانع لعملية ضبط المتهم سوى الموت أو الهروب خارج مصر، حيث يتم العمل على استعادته بالتنسيق مع مكاتب تنفيذ الأحكام والإنتربول. وفى سبيل ذلك تعقد الدولة عن طريق وزارة الخارجية، اتفاقيات مشتركة مع الدول الأخرى لضبط المتهمين المحكوم عليهم.
ولكن عدم تنفيذ الأحكام يساعد على تفشى ظاهرة من أخطر الظواهر فى مصر وهى ظاهرة الثأر، ولو كانت لدينا عدالة ناجزة وسرعة فى تنفيذ الأحكام، لما تفشت تلك الظاهرة، رغم وجود أسباب أخرى لها، لكن عدم تنفيذ الأحكام، يعد سببًا رئيسيًا لانتشارها بمصر، خصوصًا فى الأرياف. فى النهاية يجب أن تتحمل الدولة تعويض الضحايا عن الأحكام الصادرة لصالحهم التى سقطت بمضى المدة، لأنه نتاج إهمال وزارة الداخلية فى تنفيذها.