طرائف السجون فى مصر
فى بداية ثورة يوليو ١٩٥٢ وتحديدًا فى ١٦ يناير ١٩٥٣ بدأت الثورة فى اعتقال السياسيين القدامى ومنهم إبراهيم طلعت، سكرتير حزب الوفد، الذى كان محاميا ضليعا وبينما هو عائد من المحكمة إلى منزله فى الإسكندرية بعد أن ترافع فى إحدى القضايا، وجد عددًا من ضباط أمن الدولة، أخبروه أنه صدر قرار باعتقاله.
قبلها بأيام كان جمال عبدالناصر قائد الثورة يزوره فى منزله، وقد أخبره ضباط أمن الدولة أنهم يستغربون عملية الاعتقال.
قادوه إلى معسكر مصطفى كامل، مقر قيادة الثورة فى الإسكندرية، وهناك تسلمه ضابط، لينقله إلى القاهرة، وعندما وصلت السيارة إلى القاهرة طلب الضابط من قائد السيارة أن يتوقف أمام مطعم شهير، وتناول مع المعتقل طعام العشاء قبل أن يودعه سجن الأجانب لأنه يعلم أن موعد العشاء فى السجن قد انتهى.
دخل إبراهيم إلى غرفة الاستقبال فى الدور الأرضى. أحضروا حقيبة المعتقل، حاول أحد الموجودين تفتيشها ولكن ضابط السجن منعه، وحمل عسكرى الحقيبة إلى الدور العلوى حيث توجد الزنزانة رقم ٢٧ وهى تطل على مبنى الهلال الأحمر.
وفى سجن الأجانب هذا اعتقل الفريق عزيز المصرى بعد أن حاول الفرار من مصر عام ١٩٤١. كما اعتقل به على ماهر رئيس وزراء مصر السابق عام ١٩٤٢.
كما كان أحد الضباط فيه حفيد على باشا مبارك الرجل الوطنى الذى كان لا يتحدث إلا باللغة العربية الفصحى، وكان يؤدى خدمات جليلة للمعتقلين فى هذا السجن فى سماحة وكرم وفهم عميق بأن هؤلاء الشباب يضحون بحرياتهم من أجل حرية الآخرين. وكان يعتقد أنه إذا كان لا يستطيع أن يؤدى ضريبة الوطن بأن يكون معتقلا مثلهم، فلا أقل من أن يساهم فى تيسير الحياة لهم وهم رهن الاعتقال، وأن يكون رسولهم إلى الخارج، ينقل إليهم الخطابات من ذويهم وبالعكس. كان هذا بدون مقابل، بل لعله كان ينفق من جيبه من أجل تلك الخدمات.
عندما دخل إبراهيم طلعت زنزانته تبين له أن أكثر المعتقلين من كبار ضباط الجيش، فقد كان السجانون يحيونه تحية عسكرية، فقد ظنوه واحدًا من كبار الضباط.
حاول إبراهيم طلعت أن يكتشف نوعية المسجونين حوله، طرق باب الزنزانة، فتح عسكرى باب الزنزانة وسأله إبراهيم طلعت:
- من فضلك يا شاويش ممكن تقول لحضرة المأمور تحت يبعت حد يشترى لى سجاير؟.
- عند سعادتك فلوس فى الأمانات؟
- أيوه.
- سجاير إيه اللى سعادتك بتشربها؟
- سجاير ماتينيه.
- حاضر يا أفندم.
وأغلق عليه الباب ثم عاد بعد قليل وأخبره أن المأمور «بيقول متأسف لأن الوقت متأخر وبتوع السجاير قفلوا». ورق قلب الحارس وأخرج سيجارة كوتارللى رفيع، وقدم له واحدة على استحياء، وأقنعه إبراهيم طلعت أن يشعل لنفسه سيجارة ليذيب الجليد بينه وبين الحارس ليمكنه من استكشاف أمر المسجونين حوله، وأخبره أن فى الزنزانة المجاورة أحمد حمروش، وفؤاد سراج الدين، وعباس حليم، ورشاد مهنا.
وعندما جاء الصباح، لم تحدث الضجة الروتينية التى تحدث فى السجون الأخرى، حيث تفتح أقفال الزنازين، ويصيح الحراس لحث السجناء على الخروج لقضاء حوائجهم. كان الهدوء يخيم على السجن، حتى كأنه أصبح مقبرة. وقد ساعده هذا على الاستغراق فى النوم العميق.