السباعي: بيان "يحيا الفن المنحط" دعا إلى الحرية الإبداعية المطلقة
قال الشاعر والمترجم بشير السباعي، خلال احتفالية منتدى الشعر المصري الجديد بالذكرى الثمانين على تأسيس جماعة الفن والحرية، إن تأسيس الجماعة كان نتاجًا لتوحيد جهود الفنانين والكتاب المستقلين للتصدي لكل أشكال التضييق علي حرية التعبير الجمالي٬ وهي أشكال كانت موجودة في أوروبا٬ في إيطاليا وبشكل أكبر في ألمانيا٬ وبطبيعة الحال كانت موجودة في روسيا الستالينية. وكانت الثورة الإسبانية في نزعها الأخير لصالح الفاشيست٬ لذا فقد كان التضييق علي حرية التعبير آخذًا في الاتساع، وكان العالم بشكل عام علي أبواب حرب عالمية جديدة. هذه الحرب تعني تهديد المدنية والإبداع٬ وانتشار وانفلات كل أنواع الرقابة والسيطرة علي العقول والتحكم في ما يقال وما لا يقال٬ وفي ما يعرض وما لا يعرض. حيث يحل النداء التعبوي محل الإبداع الخلاق المستقل.
وتابع السباعي: "في هذه الظروف نوقشت هذه المشكلة المحتدمة أثناء زيارة أندريه بريتون لمدينة كويواكان، واللقاء الذي تم هناك مع الرسام المكسيكي دييجو ريبيرا وزوجته فريدا كالو وليون تروتسكي٬ ودارت مناقشات كثيرة حول مسائل الأدب والفن٬ وكان من المتوقع أن تصدر في كتاب. وخلال هذه المناقشات تبلورت فكرة تأسيس اتحاد أممي للفن الحر المستقل٬ مبدأ الفكرة هو إنشاء منظمة أممية للكتاب والفنانيين الأحرار المستقلين عن كل الأنظمة الموجودة في العالم. لم يكن النداء أو هذا الاتجاه الذي ترتب عليه٬ وهو نداء يحمل توقيع أندريه بريتون ودييجو ريبيرا٬ لم يكن بصدد الارتكاز إلي الاتحادات التقليدية للكتاب والفنانين٬ حيث كانت هذه الاتحادات أصلا وثيقة الارتباط بالأنظمة الموجودة والمسيطرة علي الحياة الثقافية في عديد من البلدان. وبالتالي كان لابد من تأسيس هذا الاتحاد الأممي للفن الثوري الحر٬ ثوري لأنه بصدد الدعوة إلي تغيير الحياة٬ وهو شعار السورياليين٬ أو تغيير المجتمع وهو شعار الماركسيين. والحر أو المستقل غير المرتبط كذلك باتجاه محدد في مجال الإبداع والإنتاج الفني. لأن هذا التيار يدعو إلي الحرية المطلقة في مجال الإبداع٬ ولا يدعو إلي تكريس اتجاه محدد٬ كالسريالية مثلا".
وأوضح: "أثناء هذه النقاشات حدث العديد من الصدامات في مناقشة فلسفة السوريالية٬ وليون تروتسكي سخر سخرية شديدة من أندريه بريتون في هذه النقاشات. العناصر الرئيسية لهذا السجال موجودة في مذكرات جان فان هيجينورت، سكرتير تروتسكي، وعنوانها (من برينكيبو إلى كويواكان)، وبرينكيبو هذه جزيرة في تركيا وكويواكان بالمكسيك، حيث كان عالم الرياضيات فيما بعد الذي كتب هذه المذكرات سكرتيرا لتروتسكي وقتها موجودا مع تروتسكي في المكسيك".
وأضاف: "بالفعل حدثت مبادرات لتشكيل شعب وفروع لهذا الاتحاد٬ نيكولاس كالاس اليوناني المولود في سويسرا أخذ مبادرة بالاشتراك مع زملاء آخرين من أجل تأسيس شعبة فرنسية لهذا الاتحاد٬ وفي بلجيكا حدث شيء مماثل٬ وفي عدد قليل جدًا من البلدان التي كانت علي وشك السقوط تحت الاحتلال النازي. ولأنه كان من المستحيل أن تتشكل جماعة بهذا الشكل في مصر بصفة شعبة لهذا الاتحاد٬ فقد تشكلت هذه الشعبة٬ وهي جماعة الفن والحرية٬ من دون أن يتم الإعلان عن أنها شعبة للاتحاد الأممي للفن الثوري الحر".
وواصل السباعي: "هنا يثور سؤال، وهو كيف حدث هذا اللقاء والتواصل؟ حدث هذا التواصل لسبب بسيط هو أن الفاعل الثقافي الرئيسي في نشاط جماعة الفن والحرية، والذي كتب بيان (يحيا الفن المنحط)٬ هو جورج حنين وكان عائدا للتو من باريس علي إثر نشر ديوانه الأول "لا مبررات الوجود"٬ وكان صديقا لنيكولاس كالاس٬ وبالطبع كان معروفا أنه كان صديقا من قبل لأندريه بريتون. وكانت المراسلات مستمرة ومتصلة٬ كذلك كان صديقا للروائي الفرنسي أندريه كاليه. ثم ظهر بيان (يحيا الفن المنحط) باعتباره صدي للبيان الذي صدر في المكسيك. وكانت التوجهات واحدة والنداء إلي اتحاد الفنانين والكتاب الأحرار الذين يريدون تغيير العالم٬ وكان هناك مجهود مشترك ومسعي ترسم معالمه هذه الوثائق".
وتابع السباعي: "تأسست جماعة الفن والحرية في يناير 1939، وأصدرت نشرة الفن والحرية في عام 1939، ثم أصدرت مجلة (التطور) في عام 1940".