لكنه ليس عالمًا افتراضيًا
كنا مجموعة من السيدات نجلس معا فى جلسة دردشة نسائية عادية حول مختلف شئون الحياة اليومية.. بدأت الجلسة بحديث حول فوضى الأسعار والغلاء وكيفية تدبير شئون بيوتنا.. ثم امتد الأمر إلى الحديث عن دور كل منا فى التوعية بضرورة إبلاغ جهاز حماية المستهلك عن التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل عشوائى، وأن فيسبوك قد نشر عددا من التليفونات للإبلاغ عن ذلك.
ثم تطرقت الدردشة إلى خبر منشور فى فيسبوك أيضا عن زواج اثنين من الفنانين وأكدت إحدى السيدات أن فيسبوك يقول ذلك والصور على إنستجرام لهما معا.. وبادرت ثانية لتقول إن الصورة المنشورة على فيسبوك لا تؤكد زواجهما، بل هى صورة عادية، أما أنا فدهشت من أن السيدات يستقين معلوماتهن من فيسبوك وإنستجرام وتويتر ويوتيوب فقط ولم تتحدث واحدة منهن عن خبر منشور فى صحيفة ما.. والحقيقة أن هذا الأمر استوقفنى لأنه يتعلق بحالة مجتمع أصبح يستقى معلوماته وثقافاته من مواقع التواصل الاجتماعى وهو تحول يعكس نوعًا من العشوائية وعدم التدقيق والسطحية، فقلت لهن ألم تقرأ واحدة منكن صحيفة موثوقا بها أو موقعا إخباريا معروفا بمصداقيته؟ فأجبن بأنهن لم يكن لديهن الوقت لذلك.. بل إن إحدى السيدات انبرت لتؤكد أن فيسبوك يقول وفيسبوك يؤكد، وكأن ما هو مكتوب هو الحقيقة رغم أنه ليس منقولا عن مصدر إخبارى معروف أو مأخوذا عن موقع إخبارى موثوق به.. وهنا تدخلت بأن أشرح لهن أن المعلومات المتداولة على فيسبوك ليست كلها صحيحة، وأن هناك جهات وتيارات مغرضة تستخدمه لإذاعة وبث ما تريده من شائعات أو أكاذيب أو أخبار.. وكل ذلك بالطبع فيه تشويش على العقول وعلى التفكير ودهشت من أن هناك الكثيرين ممن أعرفهم قد أصبحت ثقافتهم مستمدة من مواقع التواصل الاجتماعى ويرددونها وكأنها حقائق رغم أنها ليست مستمدة من مواقع إخبارية موثوق فيها.. لقد قيل كثيرًا عن فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعى إنها عالم افتراضى يجعلك تعيش فى عالم خيالى من خلال أشخاص لا تراهم ولا تعرفهم. لكن عندما نتوقف قليلا لنعرف ملامح هذا العالم الافتراضى سنجد أنه ليس عالما افتراضيا ولم يعد عالما افتراضيا، لأن هناك الملايين فى بلدنا بل وفى العالم الذين يستخدمونه كمصدر للمعلومات ومن هنا تكمن خطورته. لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى تشغل حيزًا كبيرًا من وقت وتفكير الناس، حيث أصبحنا نعيش فى عالم اتصالات مكثفة ومتاحة وسهلة التداول، عالم له تأثيرات من كل الأنواع على حياتنا وعلى سلوكياتنا وعلى تفكيرنا، سلبية وإيجابية وخطيرة.. إن بعض علامات الاستفهام ستجعلنا ندرك قدر تأثيره الكبير على حياتنا، أليس عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى تنتشر الشائعات والأخبار الكاذبة؟
أليس عن طريق فيسبوك يتم التواصل مع ناس لا نعرفها لكنهم يَرَوْن صورنا وتحركاتنا ثم يبدأون شيئا فشيئا فى الدخول إلى عمق حياتنا؟
ألم يصبح فيسبوك الآن بديلا عن الجرائد فى نشر أخبار العزاء والأفراح والمواليد وأعياد الميلاد؟
أليس فيسبوك هو الذى من خلاله يتم نشر أخبار فى لحظتها قد تكون حقيقية وقد تكون غير حقيقية لكننا نعرفها من خلاله؟
يمكنك أيضًا أن ترى آلاف اللاجئين العرب النازحين خارج ديارهم فى لحظة خروجهم.. رأينا أيضا مشاهد محزنة وما أكثرها لنساء تم جرهن كسبايا من العصابات التى تستخدم الدين لتنشر الدمار والقتل والخراب.. رأينا أيضا مشاهد حية من ثورتنا الشعبية الهادرة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ سواء صور صورناها لأنفسنا أو صورها غيرنا ورآها العالم كله.. وهذا بالطبع له تأثير إيجابى.. ولكن فى نفس الوقت يستخدمه دعاة الدين المزيفون لينشروا به فتاوى التخلف والرجعية والأفكار التكفيرية وكلنا يعلم عن كتائب فيسبوك التى تتبع التيارات المتطرفة والمتشددة والظلامية والسلفية.
إن الخطورة ليست فى استخدام فيسبوك أو إنستجرام أو يوتيوب أو تويتر إنما الخطورة أنه يتم به التأثير على عقول الشباب وعلى صغار السن فيتم استقطابهم تجاه تيارات التكفير والكراهية أو الانجراف والفساد.. لذلك فإنه علينا أن ننتبه وأن نحترس وأن نتابع ما يراه أبناؤنا، وأن نرفع درجة الوعى لمن حولنا بأن ليس كل ما ينشر على فيسبوك من معلومات صحيحا، إلا إذا كان له مصدر معروف أو موقع إخبارى موثوق فيه أو موقع لصحيفة موثوق فيها.. ولا بد أن نفرز الغث من السمين وألا نترك عادة القراءة لأنها تجعلنا نتزود بثقافة عميقة وليس ثقافة طائرة ووقتية.. إن القراءة تجعلنا متابعين وقادرين على متابعة المعلومات بطرق واضحة ومأمونة وتجعلنا نطل على الثقافة والأدب والإبداع، ما يجعلنا أكثر عمقا وأكثر قدرة على التمييز والفهم العميق لمجريات الأمور وللتاريخ والأخبار اليومية أيضًا.. إن الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعى دون غيرها واعتبارها مصدرا وحيدا للمعلومات والثقافة والأخبار فقط يمكن أن يسهم فى تغيير قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا وكل ما يشكل ثقافتنا العريقة وهويتنا الثقافية، فاحذروا الاعتماد عليها فى تشكيل وعينا وفكرنا وثقافتنا.