أتقن عملك .. تحقق أملك
مَجَد الإسلام العمل ورفع قدر العمل وقيمته وجعله سبيلا للرقي والتقدم ,
وجعله عبادة يثاب عليها , وأصبح الكسل وترك العمل نقصاً في حق الإنسان , وقد أمرت
آيات القرآن بالسعي علي المعاش والعمل , كما أمر المولي عز وجل بالانتشار في الأرض
طلباً للرزق الحلال بعد الأمر بالصلاة كما قال عز وجل :
( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله
كثيراً لعلكم تفلحون ) الجمعة : 10 .
رحم الله عراك بن مالك رضي الله عنه إذا صلي الجمعة انصرف فوقف علي باب المسجد
وقال : اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك , وانتشرت كما أمرتني , فارزقني من فضلك
وأنت خير الرازقين ..
كما قال رب العزة :
( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه
النشور ) الملك : 15 .
وقد وردت في القرآن الكريم نحو ثلاثمائة وستين آية تحدثت عن العمل , كما أن
سُنة النبي المطهرة زاخرة بنصوص الجد والاجتهاد والحث علي العمل الهادف , وترك
الخمول والتراخي والكسل , كما بينت سُنة النبي صل الله عليه وسلم – أن العمل سبيل
لحفظ ماء الوجه والعزة , قال النبي – صل الله عليه وسلم :
(لأن يحتطب أحدكم حزمة علي ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه )
.
ورحم الله الإمام سفيان الثوري لما مَر ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجد
الحرام ,
فيقول : ما يجلسكم ؟
قالوا : وماذا نصنع ؟
قال : اطلبوا من فضل الله , ولا تكونوا عيالاً علي المسلمين .
فالنجاح والفلاح في الدنيا مرتبط بالعمل , فارتباط السعادة والفوز بالعمل
الصالح ليس مقصوراً علي الآخرة وحدها , فلا يخيب سعي ساع , أو جهد مجتهد , كما وعد
ربنا سبحانه وتعالي :
( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ) الكهف : 30 .
فمن عَمَل أجر , ومن قعد حُرم .
وقد حث الإسلام علي اتقان العمل , ورغب فيه وشجع عليه , ودل علي هذا أن
القرآن الكريم دعا إلي الصناعات التي هي من مقومات الحياة وما فيها من فوائد لبقاء
الحياة , قال عز وجل :
( وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للناس ) الحديد : 25 .
فمن الحديد تُصنع الدروع وهي مهنة نبي الله داوود عليه السلام.. قال تعالي :
( وألنا له الحديد , أن أعمل سابغات وقدر في السرد ) سبأ : 10, 11 .
ومن الصناعات التي لا غني عنها للإنسان صناعة الكساء واللباس قال تعالي :
( ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلي حين ) النحل : 80 .
وذكر عز وجل صناعة اللباس والكساء في قوله تعالي :
(وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم ) .. وعن صناعة الجلود قال تعالي :
( وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ) النحل : 80 .
وذكر الله تعالي أن نوح عليه السلام كان عاملاً وقال في حقه :
( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) المؤمنون : 27 .
وعن صناعة البناء السكني قال تعالي :
( وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً ) الأعراف : 74 .
أمرنا الإسلام بالعمل وعدم التراخي ولابد أن يكون المسلم عاملاً معطاءً
ومعمراً في الأرض حتي يدركه الموت , قال النبي صل الله عليه وسلم :
( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة , فإن استطاع أن لا تقوم حتي يغرسها
فليغرسها ) مسند أحمد .
وقد كان النبي صل الله عليه وسلم يعمل بنفسه , ويقوم علي خدمة أهله . كما روت
السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صل الله عليه وسلم : كان يخصف نعله . ويخيط ثوبه , ويعمل في بيته كما يعمل
أحدكم في بيته ) أخرجه أحمد والترمذي .
فالإسلام لم يدع إلي العمل الجاد فحسب , بل طلب الإجادة والإتقان , وذلك مع
مراقبة الله عز وجل في السر والعلن , وفي حديث جبريل عليه السلام حين سأل النبي صل الله عليه وسلم
عن الإحسان فقال : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه
فإنه يراك )متفق عليه .
فإتقان العمل وحُسن أدائه واجب شرعي دعا إليه الإسلام .. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صل الله عليه وسلم قال :
( إن الله تعالي يُحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) رواه البيهقي في الشعب .
ونبه الله تعالي أن العمل عبادة وطاعة لله سنُحاسب عليها يوم القيامة – قال
تعالي :
( وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب
والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) التوبة : 91 .
ويتضح أن الإسلام حريصاً علي السعي والاجتهاد , شريطة أن يكون العمل في
صالح البلاد والعباد , ويتضح هذا لما أمر الله تعالي السيدة مريم حين جاءها المخاض
وهي بجوار النخلة بالعمل – قائلاً :
( وهُزي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رُطباً جنياً ) مريم : 25 .
أمرها الله بالكد والجد وبذل الجهد أولاً , فيجب علي الإنسان ذكراً كان أو
أنثي أن يسعي وينصب , ليرزقه الله من فضله ونعمائه .
علينا أن نعلم أن العمل النافع يُجزي عليه صاحبه ويُكافئ في الدنيا والآخرة
, فينفع الله به ويُصلح جميع أحواله , فعن أنس بن مالك أن النبي صل الله عليه وسلم– قال :
( إن الله لا يظلم مُؤمناً حَسَنَةً , يُعطي بها في الدنيا ويُجزي بها في
الآخرة ... )رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم– قال :
( الساعي علي الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله – وأحسبه قال – وكالقائم
لا يَفتُر وكالصائم لا يُفطر ) متفق عليه .
العمل الصالح النافع يُريح النفس , ويُسعد القلب ويُطيبُ العَيش . فالمسلم
يجد فرحة ولذة بعد إتمام كل عمل نافع يؤديه , وهذه السعادة مرتبطة بالضمير فلا
تُباعُ ولا تُشتري .. كما ذكر الله تعالي :
( مَن عمل صالحاً من ذكر أو أنثي وهو مؤمنٌ فلنُحيينهُ حياةًّ طيبةً ) النحل : 97 .
والعاملان , صاحبُ العمل الصالح وصاحبُ العمل الطالح لا يستويان في الأجر ,
كما لا يستويان في الممات , كما قال الله تبارك وتعالي :
( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نَجعَلَهُم كالذين آمنوا وعَملوا
الصالحات سَواءً مَحياهم ومَمَاتُهُم سَاء ما يَحكُمون ) الجاثية : 21 .
ربنا هب لنا منك عملاً صالحاً يقربنا إليك . واجعل لنا سلطاناً مُبيناً ,
آميـن .
