"النجاح".. من قصر المستعمرين إلى مدرسة ابتدائية
قصر كبير، يتوسط شارعًا صغيرًا شعبيًا، في قلب شبرا، حوت جدرانه بين طياتها تاريخًا مليًء بالتناقدات، من ملكًا لمستعمر غاشم، إلى مدرسة النجاح الابتدائية الخاصة المشتركة.
أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، درب سار على نهجه عدد كبير من كبار السن الذين منعتهم ظروفهم من الدراسة خلال فترة طفولتهم، وكان الأمر زائدًا عن الحد في شارع جميل بمنطقة شبرا، الأمر الذي جعل قصر أحد ضباط الإنجليز يتوحل إلى فصول محو أمية ليلية تحت ريادة بنيمين، أحد سكان الحي القدامي.
قبل إعلان استقلال مصر عن بريطانيا في عام 1922، كان الإنجليز هم الطبقة الاقتصادية المهيمنه على اقتصاد وأراضي مصر، ففي قلب شبرا استحوذ أحد كبار الجنود الإنجليز على قطعة أرض كبيرة، وشيد عليها قصره الخاص المؤلف من بدروم وطابق أرضي، وآخر علوي بالإضافة إلى حديقة صغيرة.
كانت تروي العديد من القصص على سلطوية وجبروت هذا الضابط في التعامل مع جيرانه من المصريين، لكن فور رحيله من مصر، أشتري المنزل أحد القيادات الأمنية في مديرية أمن الجيزة، ويسكن بها حتي عام 1984، حتي قرر الرحيل عنها، هاربًا من الزحام الشديد الذي أصاب منطقة شبرا.
ويقول عم علي، أقدم سكان الشارع إنه لم يمضي سوى أيام قليلة حتي أشتراها بنيمين، الذي تراودت عنه اشاعات على ديانته، البعض ألصقه باليهودية، والبعض الآخر رآه مسيحيًا.
أما هو فقد نفض كل هذا الحديث عن عقله باحثًا عن شغف التعليم، فقرر تحويل القصر الذي أشتراه إلى مدرسة ليلية لفصور محو الأمية لكبار السن، وبالفعل أعتمد على الله، وخصص البدروم والدور الأول والحديقة إلى المدرسة تاركًا لنفسه الدور العلوي.
كان يتقاضي مقابل ذلك مبالغ ذهيده، بعيدة كل البعد عن التي خسرها في تحويل القصر إلى المدرسة، ولكن كان حلم السفر للخارج يراود ابناءه، فهاجر معهم إلى كندا، بعد أن أمن مستقبل فصول محو الأمية وحول الدورين المخصصين لها إلى مدرسة خاصة تخدم أطفال الحي في المرحلة الإبتدائية.
أوضح عم علي أنها بيعت منذ ذلك الحين وحتي الآن هي ملكًا لراشد بيه، أحد سكان الحي الذي قرر أن تظل المدرسة على ما هي عليه، وأن يؤجر الدور العلوي إلى أحد تجار الفاكهة، من صعيد مصر العاملين، وأصبح اليوم سعر مصاريف المدرسة 2000 جنيه.