وضع الرجل المناسب في المكان المناسب
لقد افترض الإسلام علينا اختيار الكفاءات , والشريعة الإسلامية رائدة في
تبني مبدأ العمل الجماعي , لما فيه من توحيد للهمم والطاقات , وتعاون تتهاوي أمامه
أصعب المهام وتتحقق من خلاله أعظم الإنجازات , وما ذلك إلا لمساواة الناس جميعاً
في الحقوق والواجبات .. قال تعالي :
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا
إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبيرٌ ) الحجرات : 13 .
ولقد علمنا النبي صل الله عليه وسلم اختيار الكفاءات في كل المجالات حتي لو
لم يكونوا مسلمين , فقد استعان النبي بغير المسلمين في بعض الأحيان لما استأجر
رجلاً يهودياً اسمه (عبد الله بن أريقط ) ليكون دليله في دروب الصحراء عند الهجرة
النبوية إلي المدينة لما له من معرفة وخبرة متمرسة بالدروب والمسالك والطرق , فكان
لهذه المهمة كفْ وللقيام بها أهل .
فالرسول لم يعامل أهله وعشيرته من منطلق أنهم أهل الثقافة , ولم يعينهم في
المناصب القيادية بل كانت رؤيته أن يُولي علي كل عمل من أعمال المسلمين أصلح وأكفأ
من يجده لهذا العمل فهو القائل :
( من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً مُحاباة فعليه لعنةُ الله
لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتي يُدخله جهنم ) .
ولم يكن الرسول يعطي الولاية لأي شخص يطلبها أو يكون حريصاً عليها – قال
النبي لعبد الرحمن بن سمرة : لا تسأل الإمارة فإنك إن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنت
عليها , وإن أُعطيتها عن مسألة وُكلت إليها ) .
ولم يعرف النبي التزكية أو الترقية طوال حياته أو تعيين أحد من أقاربه في
أي منصب من مناصب الدولة , خوفاً من ضياع الأمانة التي كان حريصاً علي استقرارها
عند أهلها , فهو القائل :
( إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة ) .
وجميع أنبياء الله عليهم السلام ورسله كان دأبهم وحرصهم الأول علي تولي أهل
الكفاءة وأصحاب المسئولية حيث قال تعالي مُخبراً عن نبيه يوسف عليه السلام :
( قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظٌ عليمٌ ) يوسف : 55 .
كذلك أدركت ابنة الرجل الصالح أن الكفاءة شرط في تولي القيادة , وإسناد
العمل للفرد وتكليفه به , دون مجاملة أو محاباة , قال تعالي :
( قالت إحداهما يا أبت استأجرهُ إن خير من استأجرت القوىُ الأمين ) القصص : 26 .
وهذا نبي الله موسي عليه السلام حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها
استخلف أخاه هارون , قال تعالي :
( وقال موسي لأخيه هارون اخلُفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المُفسدين ) الأعراف : 142 .
فالإدارة فن أقره الإسلام , وأوصي باختيار الرجل المناسب في الوقت المناسب
, سواء علي المؤسسات العامة أو المؤسسات الخاصة أو حتي مستوي الأسرة , واختيار
الصالح للعمل يجب أن يعتمد علي شرط الكفاءة . وبناءً عليه المسئولية تكليف لا
تشريف , فالقائد للأمة خادمها وراعيها , ويجب امداد الدولة بالطاقات البشرية ,
ومراعاة الدقة في الاختيار , والاعتماد علي أصحاب الثقة والكفاءات , الكفيلة
بمواجهة الشدائد , والقادرة علي النهوض بالأمة .