مصــر.. أم الدنيــا
من مبادئ الإسلام الجليلة، حب الوطن والدفاع عنه والعمل على حمايته، والشرف كل الشرف في شعور الإنسان بانتمائه الحقيقي لوطنه، والسعي الجاد لبنائه والعمل علي رقيه ورفعته.
ومصر مهد الحضارات وموطن الرسالات اقترن ذكرها في القرآن بالأمن والأمان , ومن ذلك قوله تعالي:
( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) وسُميت خزائنها خزائن الأرض , حيث قال تعالي علي لسان يوسف- عليه السلام : ( قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم ٌ) .. وعلي أرض سيناء المباركة كلم الله موسي تكليماً , وتجلي فيها تجلياً مهيباً , فمصر أرض مباركة وُلد وتربي ونزل وتزوج منها الأنبياء عليهم السلام . فقد وُلد فيها موسي وهارون ويوشع بن نون , وعاش فيها إدريس ويوسف ويعقوب والأسباط , ونزل بها إبراهيم وإسماعيل , وتزوج منها أبو الأنبياء إبراهيم , فأنجبت له زوجُهُ هاجر المصرية نبي الله إسماعيل جد النبي , وأخوال ولده إبراهيم من السيدة مارية القبطية , وجاءت إلي مصر السيدة مريم العذراء مع نبي الله عيسي وهي في طريق عودتها إلي بيت المقدس , وقد أوصي النبي الأمة كلها بمصر وأهلها .. فقال- صل الله عليه وسلم :
( إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يُسمي فيها القيراط , فاستوصوا بأهلها خيراً , فإن لهم ذمةً ورحماً )
وعلينا أن نبني أوطاننا بالعمل والعلم فأوطاننا لا تحتاج إلى عبارات أو شعارات .. بل علينا أن ندرك أن الأوطان تُبني بالثقافة والوعي , فقد أشاد القرآن بفضل العلم والحث علي تحصيله وطلبه وعُلو شأنه مكانته , قال تعالي : ( يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات ) .
وحسبُنا أن أول آيات نزلت من الوحي أشارت إلي فضل العلم حيث أمرنا القرآن بالقراءة التي هي مفتاح العلم , ونوهت بالقلم وهو أداة نقل العلم في قوله تعالي :
( اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم )
ولفضل العلم مكانة عالية تجلي ذلك واضحاً في قوله تعالي :
( فاعلم أنه لا إله إلا أنا واستغفر لذنبك ) , قدم الله تعالي العلم علي القول والعمل .
وبعد قيمة العلم , حث الله تعالي علي العمل الجاد نظرة توقير وتمجيد .. يقول تعالي :
( فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) .
وقال النبي- صل الله عليه وسلم :
( ما أكل أحدٌ طعاماً قَطٌ خيراً من أن يأكل من عمل يده , إن نبي الله داوُد- عليه السلام كان يأكل من عمل يده ).
ولم يكتف القرآن بمجرد دعوتنا إلي العمل كسبيل للبناء فحسب , بل شدد علي إتقان العمل وإحسانه , رجاء لرحمة الله , قال تعال : ( وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وسَتُردون إلي عالم الغيب والشهادة فيُنبئكم بما كنتم تعملون ).
والذى لا يُتقن عمله ولا يخشي الله , فإن الله كان عليه رقيباً , وإنه آثم بقدر ما يتسبب في ضياع من الأموال وإهدار الطاقات . مصرُنا في هذه المرحلة تحتاج منَا أن نتسلح بالعلم والمعرفة , وألا نتعجل النتائج , وأن نتمسك بالفكر المعتدل النابع من الفهم الصحيح للإسلام , حتي نكون قدوة للأمم ونسلك طريق الرشاد والأمن والسعادة والاستقرار والتقدم . يقول تعالي :
( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) ودعنا من دُعاة الهدم وأصحاب النفوس المريضة , الذين خصهم الله بالذكر – قائلاً : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتُقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم . أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالُها .. )
ديننا حنيف يرفض كل ألوان ومعاني الهدم والتخريب ويدعو إلي البناء وعمارة الكون , بل حبب صلاح الإنسانية وجعلها أفضل ثواباً .. كما قال سبحانه وتعالي :
( ولا تُفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمتَ ربك قَريبٌ من المُحسنين ).
اللهم احفظ مصر وجيشها , اللهم احفظ مصر وشعبها , اللهم أمنا في أوطاننا , آميــن .