قتل بطريقة أخرى.. انتحار فتاة المترو أزمة نفسية أم قسوة الأهل؟
بخطوات هادئة وقلب لم يعرف التردد، وقفت فتاة في انتظار مترو الأنفاق بمحطة "ماري جرجس"، وما أن اقترب منها، حتى ألقت بجسدها المحمل بالتعب أسفل عجلاته، دون أن تفكر لحظة، مقطع فيديو لم تتجاوز مدته العشر ثوان، لكنه أثار ضجة كبيرة، وتسبب في ألم الكثير من المصريين، بعد أن تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد نشر ضباط قسم سادس شرطة مترو الأنفاق الفيديو، تم التوصل إلى هوية الفتاة، التي تدعى "أميرة ي."، 20 عامًا، واتضح أنها عاشت واقعا قاسيا، جعلها تُقتل ألف مرة وهي حية، وعندما هربت من ذلك الواقع بالانتحار، لم يرحمها الموت من قسوة البشر، فقتلوها باتهاماتهم مرة أخرى.
وفاة والدتها
صدمة تعرضت لها الفتاة كانت أحد أسباب إقدامها على الانتحار، ذلك ما قاله والد الفتاة موضحا أن ابنته كانت مُصابة بصدمة عصبية منذ وفاة والدتها في حادثة تصادم بالقرب من منزل الأسرة منذ 7 سنوات، لافتًا إلى أن ابنته كانت شديدة التعلق بوالدتها، وكانت تعاني من تخيلات بوجود أمها معها في الغرفة، وكانت تحدثها بصوت عال وكأنها تراها.
ذلك ما أكدته غادة، ابنة عمتها، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية رشا نبيل، أمس، حيث قالت إن الضحية كانت تعاني من حالة نفسية سيئة بسبب وفاة والدتها وهي صغيرة، وإنها كانت تجلس بمفردها كثيرًا وتبكي كلما تذكرت والدتها.
قسوة أشقائها
مشاكل أسرية وتعد بالضرب، ذلك ما كشفته التحريات بشأن انتحار الفتاة، حيث أفادت أن الفتاة كانت تمر بأزمة نفسية حادة بسبب ضغوط الحياة ومشاكل أسرية متفاقمة مع أشقائها، الذين كانوا يتعدون عليها بالضرب، وزادت أزمتها بسبب ضيق الحال، وأوضحت التحريات أن يوم الواقعة نشبت مشادة كلامية بينها وبين أشقائها فأخبرتهم بأنها ستقدم على الانتحار، لكنهم لم يهتموا لما قالته.
ومن جانبها علقت الدكتورة سميحة نصر، أستاذ علم النفس ورئيس شعبة بحوث الجريمة والسياسية الجنائية بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعي، على انتحار الفتاة، قائلة: "إن سوء علاقة الفتاة مع من حولها قد يجعل الحياة تسود في عينيها ويقودها ذلك إلى الانتحار، وقد تكون هذه الظروف مع حالة أخرى ولا تقودها للانتحار، ويتوقف ذلك على سمات الشخصية".
وأضافت سميحة، في تصريحات لـ"الدستور"، أن الظروف السيئة قادت هذه الفتاة إلى أن تُلقي بنفسها أمام المترو، لافتة إلى أن حالات الانتحار في المجتمع المصري قليلة للغاية بالمقارنة بالدول التى تتمتع بالرفاهية مثل السويد، التي تحصل على أعلى نسب في الانتحار، ويرجع السبب في قلة نسب الانتحار في مصر إلى العامل الديني.
ماتت كافرة!
أثار مقطع الفيديو الذي وثق لحظة انتحار الفتاة تعاطف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن البعض ترك ما مرت به تلك الفتاة من ألم، انتهى باختيارها مفارقة الحياة بتلك الطريقة القاسية، وبدأ في قتلها بطريقة أخرى، ألا وهي تكفيرها.
نشر أحد النشطاء مقطع الفيديو على حسابه الشخصي على "فيسبوك"، وكتب: "ماتت كافرة، لحظة انتحار فتاة أسفل عجلات المترو بمحطة مارجرجس"، وتابع آخر: "لا إله إلا الله تموتي كافرة حرام عليكي يا بنتي".
وأثار تكفير الفتاة غضب بعض الرواد الذين بدأوا في الدفاع عنها، وكتبت فتاة تُدعى "ندى" على حسابها: "طبعا ده حرام، وكلنا عارفين ده، ربنا حرم قتل النفس، بس اللي يقرأ خبر زي ده يدعيلها بالرحمة وبس، ما تزايدش وتقول كافرة وبلا بلا بلا، كلامك ولا هيزود ولا هينقص، والحساب بتاع ربنا".
وقالت ميرنا: "بمناسبة واقعة انتحار فتاة المترو، ومهما كان الأسباب والدوافع فما لأحد أن يتهمها بالكفر، أو يصدر حكمًا عليها بدخول النار، ولا نطلب لها إلا الرحمة من الله سبحانه وتعالى، وأمرها إليه، وهو رؤوف رحيم بعباده".
وأضاف محمد: "بمناسبة الهرى الغير إنسانى والغير أخلاقي علي السوشيال بخصوص فتاة المترو المنتحرة مؤخرا بمحطة مارى جرجس، أولًا طبعا رحمة الله عليها، وأسأل الله أن يتجاوز عنها ويغفر لها ويبدلها دارا خيرا من دارها وأهلا خيرا من أهلها، أهلها القتلة الحقيقيون وسبب تعاسة هذه الفتاة المجنى عليها، أحب ألفت نظر أصحاب القلوب السوداء والمتألهين علي الله ومحتكرى مفاتيح الجنة والنار أصحاب التعليقات من عينة ماتت كافرة، يا ريت تفتحوا صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل علي أن قاتل نفسه لا يكفر، واقرأوا وتعلموا ثم بعد ذلك صبوا غبائكم وجهلكم وغلكم وحقدكم علي خلق الله حيث شئتم، اللهم اغفر وارحم فأنت أرحم الراحمين ورحمتك وسعت كل شيء".
مصيرها عند الله
من جانبه أكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن فتاة المترو قد أخطأت، ولكن من يكفرها لا يدخل في علم الله، ويرجع في ذلك إلى قوله تعالى: "إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"، فيقول هذا دون معرفة معنى النصوص، نحن نعلم أن الإنسان يواجه شدائد ومحن، وليس كل الناس أصحاب عزيمة لمقابلة هذه الشدائد، الفتاة أخطأت لكن مصيرها عند الله سبحانه وتعالى، لا يستطيع أحد أن يكفر أحدا، فنحن ليس لدينا صكوك تكفير، والله أعلم بهذه الفتاة، وما يجب أن نفعله هو أن ندعو الله لها.
وتابع الجندي، في تصريحات لـ"الدستور": "إن الانتحار نوع من أنواع اليأس، وهو طريق لا يجب ألا يلجأ إليه المؤمن، لأن الحياة لا تسير على نمط واحد، فبها الخير والشر، وعلى الإنسان أن يعلم أنه سيواجه مشاكل، وهنا يظهر دور الصبر، وهذا ما يختلف من فرد لآخر، هناك من يستطيع مواجهة الشدائد وهناك من لم يقو على ذلك، مثل تلك الفتاة".