باحث بجامعة الإمارات يكشف تأثير الحرارة على الأرض
تعد الأنشطة البشرية من أهم الأسباب لحدوث تغيرات كبيرة وخطرة في حالة كوكب الأرض الجيولوجية والبيولوجية والنظم البيئية في العصر الحديث، والتي كان لها تأثير مباشر في التغير المناخي، الذي يشهده كوكبنا منذ أكثر من خمسين سنة تقريبًا.
أما في العصور القديمة كانت العوامل الطبيعية كارتفاع كمية غازات الاحتباس الحراري (ثاني أكسيد الكربون)، وكمية الأشعة الساقطة على سطح الأرض هي أهم أسباب التغيرات الطبيعية للمناخ، ويعد عصر الإمينEemian الممتد من 118- 128 ألف سنة قبل الزمن الحاضر من أقرب العصور الجيولوجية مناخيًا إلى عصرنا الحالي (الهولوسين Holocene).
ومن أجل فهم ديناميكية التغيرات المناخية الطبيعية، التي سببها الاحتباس الحراري الناتج من تدخل الإنسان، وما سيتعرض له العالم في المستقبل من ارتفاع في درجات الحرارة حتى نهاية القرن الحالي، قام فريق من جامعة كوبنهاجن بالدنمارك بالاشتراك مع باحثين من ثلاث عشرة دولة ومن بينهم أ.د علاء الدهان أستاذ بقسم الجيولوجيا جامعة الإمارات بدراسة عصر الإمين من خلال مشروع عالمي أطلق عليه اسم نيم «NEEM»، والذي بدأ العمل به منذ 2007.
يقول الدهان: تمثل دراسات المناخ أثناء الفترات الجيولوجية السابقة عنصرًا أساسيًا لإدراك التأثيرات الطبيعية، التي تتحكم في ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة واختلاف توزيع الأمطار حول العالم، وتعتمد دراستنا على استنتاج المعلومات من الطبقات الجيولوجية، باعتبارها من أهم الوسائل التي تقودنا للتنبؤ بتغيرات المناخ في الحاضر والمستقبل، وخلال عملنا في مشروع «NEEM»، قمنا بحفر واستخراج 2.5كم عمق من اللب الجليدي من شمال غرب جرينلاند يتضمن عصر الإمين، واستخدامنا طرقًا كيميائية وفيزيائية مختلفة متضمنة نظائر الأكسجين والنيتروجين الثابتة المتواجدة في جزيئات الماء، إضافة إلى كمية الهواء المتواجد في جزيئات الجليد، وكذلك كميات غاز الميثان ومسوح الرادار، وتم نشر ما توصلنا إليه من نتائج خلال المشروع في مجلة الطبيعة العلمية المشهورة «Nature».
وحول أهم تفاصيل هذه النتائج، يقول الدهان: وجدنا أنه في عصر الإمين كانت درجات الحرارة أعلى بما يقارب 2-4 درجات من الزمن الحاضر، ويفصل بين عصري الهولوسين (عصرنا الحالي) والإمين عصر جليدي، ولمعرفة ما سيتعرض له العالم في المستقبل من ارتفاع في درجات الحرارة حتى نهاية القرن الحالي، قام باحثو مشروع نيم «NEEM» بالتركيز على التغيرات الطبيعية للمناخ خلال فترة الإمين بصورة تفصيلية، ومن أهم النتائج التي توصلنا لها، أن المناخ أثناء عصر الإمين اتسم بارتفاع في درجات الحرارة أعلى من تقديرات النماذج الرياضية، وبفارق يصل إلى ثماني درجات مئوية عن الزمن الحاضر، إضافة إلى وجود طبقات من الجليد الذائب، والتي ترجع إلى الارتفاع في درجات الحرارة، وخاصة في فصول الصيف، وأن تكرار الذوبان في عصر الإمين كان كثيفًا مقارنة بما حدث خلال 5000 سنة الماضية.
يذكر أنه حدث ذوبان لطبقات ثلجية خلال صيف 2012 في موقع نيم بجرينلاند.
ويضيف الدهان: من المحتمل أن يزداد ذوبان الجليد وارتفاع درجات الحرارة في السنوات القادمة إلى المعدلات التي حدثت أثناء عصر الإمين، ومن أهم التأثيرات الناتجة عن ذوبان كتلة جرينلاند الجليدية هي ارتفاع مستوى مياه البحر بمعدلات قد تصل إلى 4 - 8 أمتار عن مستوى سطح البحر الحالي، وأن النقص في سمك اللوح الجليدي في جرينلاند، والذي لازم عملية الذوبان كان في حدود-150 200 متر في عصر الإمين، مقارنة بوقتنا الحاضر، ما قادنا إلى نتيجة مهمة؛ وهي أن ذوبان الكتلة الجليدية في جرينلاند ساهم بأقل من النصف في نسبة ارتفاع منسوب مياه البحر، أما النصف الآخر فكان نتيجة لذوبان الجليد في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، ومن الضروري هنا الانتباه إلى أن ما حدث في عصر الإمين من ارتفاع في درجات الحرارة، يعود إلى عوامل طبيعية منها ارتفاع كمية غازات الاحتباس الحراري (ثاني أكسيد الكربون والميثان) وتغيرات في كمية الأشعة الشمسية الساقطة على سطح الأرض، أما في وقتنا الحاضر، إضافة إلى العوامل الطبيعية فإن الغازات المنبعثة نتيجة الاستخدام البشري والحياة الحديثة تمثل عاملًا مهمًا في ارتفاع درجات الحرارة بمعدل يساوي أو أكثر مما حدث في عصر الإمين، وربما تفوق ما توقعته النماذج الرياضية؛ ولذلك لابد من الإشارة إلى ضرورة دراسة عوامل أخرى قد يكون لها تأثير على التغيرات المناخية.