السقوط في بئر الإدمان.. 3 فتيات تروين رحلتهن مع المخدرات
التواصل مع الآخرين، المثالية الزائدة بلا مشاعر، الحساسية المفرطة وجفاء المحيطين، أسباب متنوعة دفعت ثلاث فتيات في أعمار مختلفة للدخول في دائرة الإدمان المريرة، لم يكن إقناعهن بالحديث سهلا، لكنهن قررن الحكي بعد تعهد "الدستور" بعدم ذكر أسمائهن والإشارة لهن بأسماء مستعارة، حفاظًا على خصوصيتهن ورغبتهن في عدم الظهور.
ورغم تركهن الإدمان والتعافي على يد زمالة المدمنين المجهولين، إلا أن حكايتهن تبقى مصدرًا للإلهام لمعرفة أسباب وقوع الفتيات في هذا الجحيم، وذلك بالتزامن مع ذكرى اليوم العالمي للمخدرات الذي يوافق 26 يوليو من كل عام.
الفتاة المثالية تدمن أحيانًا
"كنت مثالية لدرجة تمني المحيطين أن يصبح بناتهم مثلي"، بهذه الكلمات بدأت "ريم" تعريف نفسها، وهي شابة في بداية العقد الثالث من عمرها، تحمل ملامحها قدرا كبيرا من الجمال والهدوء الروحي في نفس الوقت، مؤكدة أن حكايتها مع الإدمان لم تبدأ مع المخدرات، لكن بوادرها كانت داخلها قبلما تتعرف على المكيفات بأنواعها.
قالت لـ"الدستور": "في طفولتي كنت مثالية في كل شيء.. طفلة هادئة أميل إلى الانطوائية، رياضية، أقضي معظم وقت الإجازة في التمارين، ولهذا السبب كنت كثيرًا ما أشعر بالسخط على الأطفال؛ كونهم يلعبون ويسافرون وأنا أتدرب بشكل منظم، كنت أحصل على أعلى الدرجات في جميع المواد الدراسية، للدرجة التي جعلت المقربين يتمنون أن يصبح أبناؤهم مثلي، غير أن الحياة كانت مملة بالنسبة لي، لم أكن أرى نفسي بالشكل الرائع الذي يراه فيَّ الآخرون، كان هناك أمران على النقيض داخلي، أحاول الحصول على أعلى الدرجات، ولا أعترف بالنجاح المتوسط، وفي نفس الوقت أخشى من الظهور أمام الكثيرين، لا أحب أن تلتف النظرات حولي، فأفضل دائمًا الجلوس في المقاعد الخلفية".
وأضافت "ريم": "استمر الحال هكذا في كلية الهندسة التي اخترتها بلا شغف أو عشق لها، لأن علاقتي بكل الأشياء كانت محاطة بهالة من الرتابة والملل، فاختياري لها كان لأنها الأنسب لسوق العمل ليس إلا، نفس الحالة كانت بيني وبين أسرتي، لا أنا متشوقة إليهم أو أحبهم، ولا أكرههم، هم فقط أسرتي، حالة من فقدان المشاعر تمتلكني تجاه كل شيء وكل الأشخاص، لا أعرف أصدقاء بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولا أعرف معني للمشاعر الجارفة لأي أمر. حياتي تسير ببطء شديد، اليوم هو مثل الأمس.. والأمس كالغد.. وهكذا.. كل يوم يزداد انحساري داخل نفسي أكثر من سابقه".
تابعت: "بدأت علاقتي بالمخدرات من هذا المدخل، أريد أن أستفز المحيطين.. وأستفز نفسي أولا، أرغب في القيام بعمل ما يكسر رتابة المثالية، فتعرفت على جارتي، وهي إنسانة سيئة السمعة، وكنت أكره طريقتها، لكنها كانت مدخلي للمخدرات والوسيلة الوحيدة للحصول عليها، ما اضطرني للتعامل معها عن قرب تدريجيًّا، حين دفعتني لتجربة الحشيش، مع الوقت شعرت في الحاجة لتجريب أنواع مخدر مختلفة فبدأت علاقتي بالبانجو، واستمر الحال فترة حتى أصبحت الكمية التي أحصل عليها لا تكفي، فزادت الجرعة، ثم أقبلت على الهيروين، حتى دخلت دائرة مفرغة من الخسائر، مادية، نفسية، أسرية، أخلاقية حتى تورطت في السرقة عدة مرات، وكل مرة امتدت يدي فيها للسرقة كان يمتلكني شعور بالاستياء من نفسي لوصولي لما يعرف بمنطقة القاع.
المغامرة مدخل"ندى" للإدمان
"ندى" الفتاة الوحيدة لأسرتها، 23 عاما، تعافت من مرض الإدمان منذ عام وشهرين وثلاثة أيام. تحكي: "كانت حياتي تدور حول الدراسة والعلاقات الاسرية، وكان أبي أقرب أصدقائي، إلي أن تعرضت للاغتصاب من قبل قريب والدي، وكان ذلك سببا في التغييرات الجذرية في حياتي".
أضافت: "بدأت حكاية المخدرات معي، عندما حادثني أحد زملائي في الجامعة وطلب مني الانضمام لمجموعة من أصدقائه خلال الاستراحة بين المحاضرات، لتمر الأيام ومع تطور صداقتنا يطلب مني أن أجرب معهم سيجارة "حشيش"، رفضت في البداية، حيث أنني لم اعتاد علي شرب السجائر وكنت اكتفي بشرب الكحوليات الخفيفة في المناسبات العائلية والأعياد، ولكن مع إصراره بدأت أشاركهم الشرب، في عربتي خارج حرم الجامعة، وتطور الأمر إلي أن تقربت من إحدى صديقاته وبدأنا نشرب سويا مخدر الحشيش".
"وفي عيد الحب، طلب مني صديقي أن أجرب مخدرا جديدا، لم أتعرف عليه في البداية، ثم أخبرني فيما بعد أنه "الهيروين"، وبدأ من حين لآخر يهاديني بكميات منه كنوع من المجاملة والترحاب، وخلال أسابيع بدأت أعتاد عليه، وأتعاطاه بمفردي ومع أصدقائي، في كل الأوقات، وكنت أشعر بحالة من الاستمتاع خلال معايشتي لمغامرة الحصول علي المخدرات من "الديلر" في طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، إلي أن جاءت الصدمة وتم إيقافي في كمين شرطة وإيجاد المخدرات بحوزتي، حينها أدركت أني فقدت السيطرة".
"عقب خروجي من قسم الشرطة، أدركت أنه لا مفر من التعافي، وأنني يجب أن أتخذ قرارا نهائيا، وحينها تواصلت مع والدتي وأخبرتها بأنني "مدمنة"، وأنني سأذهب لإحضار آخر جرعة هيروين، ثم سأنضم لمركز علاجي لأتعافى. ورغم عودتي مرة أخرى إلى الإدمان بعد 10 سنوات، إلا أن تركي لمصر وسفري ساعدني على تركها حتى الآن، حين أدركت أن الأزمة الحقيقية لا تكمن في المخدر الذي أتعاطاه، وأن إدماني له أسباب أخري، لأجد أمامي صديقا يعرض عليَّ كتاب زمالة المدمنين المجهولين، وأرقام التواصل معهم، وبالفعل تواصلت مع الزمالة، واتبعت تنفيذ برنامج الـ12 خطوة، وأدركت حينها أنني تعافيت مرتين من المخدر الخاطئ، وأن إدماني مرض مزمن يجب أن أتعلم كيف أتعامل معه، وكيف أتقبله وأسيطر عليه".
"سها".. العنف الأسري كان السبب
حكاية "سها" تختلف عن سابقتيها، حيث بدأت من كراهيتها للضغوط الاجتماعية وقسوة والدتها التي كانت تظهر في صورة إهانات وشتائم وعنف جسدي.
"سها" البالغة من العمر 30 عاما، تقول: "قلت لماما نفسي تحضنيني"، فكان ردها: "اتلهي"، تكمل: "وقتها شعرت باكتئاب حاد وضلمة دخلت حياتي، حاولت الانتحار أكثر من مرة لكني فشلت، في النهاية قررت التعرف على فتيات أعرف مسبقًا سوء سمعتهن من الكلية، كان إدماني بهدف الانتحار البطيء ونسيان كل شيء، لكن مع مرور الوقت وجدت حياتي لا تنصلح، بل تزداد سوءا، فأنا لا زلت في رحلة التعافي التي بدأت من ثلاثة أشهر فقط".
ويقول دكتور طلال فؤاد، استشاري الطب النفسي، إن ضغوط المجتمع وطريقة التعامل مع الأنثى، التي تتسم بالقهر في مجتمعاتنا، أهم العوامل التي تؤثر بشكل مباشر لدفع الفتيات إلى الإدمان، فهناك فروق في التعامل بين الشاب والفتاة داخل الأسرة الواحدة، مثل حصوله على الأموال، والخروج وقتما يشاء، عكس الفتاة التي يُصرف عليها أقل منه، موضحًا أن الفتيات يتعاملن بطريقة غير صحية مع الإدمان نتيجة رهافة مشاعرهن.
ويوضح فؤاد، لـ"الدستور"، أن الإدمان يتم علاجه من خلال الأطباء، أما علاج الجانب النفسي عند المدمن فيكون من خلال "المجموعات"، وأخيرًا المجتمع الذي هو أحد أهم أسباب الإدمان، كما أن دعم الأسرة من أساسيات العملية الشفائية للمريض، من خلال الوعي بطرق التعامل مع المدمن وكيفية احتوائه.