"سوبر ومان".. أمهات يعملن "فواعلية" يروون قصص معاناتهم اليومية
مجموعة من النساء أرادن محاربة الظروف بكل قوة حتى بدت ملامحهن كالطريق المُتهالك الذي داسته الأقدام، ومرّ عليه الجميع دون مبالاة أو اكتراث، جعلنّ الشارع قبلة لهنّ، فدلفنّ إليه منذ أن مال الزمان بهن، لتكون الأموال التي يحصلن عليها سببًا في غسيل تعب وهموم اليوم الشاق الذي يمرون به.
فلم تلقِ بالًا للعادات والتقاليد البالية الخاصة بالمجتمع المصري التي تُسيطر على حياتنا اليومية حتى الآن، قررت أن تصبح أقوى من الجميع، وتحقق مقولة "المرأة المجتمع كله وليس النصف فقط" - كما يدعي البعض -؛ بما لديها من أهداف دائمًا تسعى لتحقيقها عن طريق العمل الدؤوب، فكانت أقوى من الهزيمة التي اقتحمت الحياة دون استئذان، لذلك امتهنت عمل "الشيال"، الذي يحمل الطوب الأحمر والرمال أيضًا إذا استدعى الأمر هذا.
"أم علاء" في الأربعينيات من عمرها، عملت في المجال المذكور سلفًا منذ حوالي 3 سنوات مضت وحتى تلك اللحظة، بعد أن ضاق الحال بأسرتها، قررت أن تخرج يوميًا من منزلها عند بزوغ الفجر؛ لتعمل في كبّد، وتجمع في نهاية الشهر مبلغ 800 جنيهًا فقط لاغير، بتلك الكلمات بدأت حديثها لـ"الدستور" عن عملها الشاق الذي قررت أن تخوضه لتحقيق مطالب أبنائها أولًا وأخيرًا، حتى لا يكونوا أقل من غيرهم في المطالب الأساسية التي من حق الجميع.
دون أن تكترث لنظرات السخرية من جهة، والتهكم منها وعليها من جهة أخرى، تتابع أم علاء حديثها قائلة: "أنا عندي 5 أولاد الكبيرة فيهم بتدرس في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، والباقين لسه في ثانوي وإعدادي وابتدائي وأصغرهم في الحضانة، وكلهم نفسهم يبقوا مناصب حلوة في البلد وميبقوش أقل من غيرهم في حاجة، وكمان ميمروش باللي أنا فيه، ولا يعيشوا نفس الحياة دي".
ضيق ذات اليد دفعها لمحاولة تجاوز تلك الأزمات ومرارة الأيام، لكن بشرط عدم الإفصاح عن هويتها الحقيقية ووجهها للأغراب؛ خوفًا على مشاعر أولادها الذين لم ولن يرحمهم المجتمع من معايرتهم بأمهم، التي اقتنصت عمل الرجال لتوفير مطالبهم: "ولادي مش مكسوفين مني؛ بس بيزعلوا لما حد من صحابهم بيقولهم على شغلانتي وإنها شغلانة رجالة مش ستات، وبيزعلوا أكتر أن مفيش في أيديهم حاجة يعملوها ليّا، وفي نفس الوقت عايزين يتعلموا عشان الزمن ميجيش عليهم".
وأثناء انهماكها في الحديث قاطعتنا إمرأة مُكلل وجهها بالضحكة، على الرغم من سواد ملابسها، ووجهها الذي بدى وكأنه رجل عجوز يبلغ عقدين من الزمن، يلقبونها بـ"الكبيرة" في الأتوبيس الذي ينقلهم من بلدتهم بقرية "نوى" في محافظة القليوبية إلى العمل والعكس قائلًة: "أنا عندي بنتين جوّزتهم من الشغلانة دي بس الفلوس بقيت على القد وده خلى عليا قضية بـ15 ألف جنيهًا، ويا إما أدفع يا إما اتحبس، ومعروفة إن لقمة العيش محفوفة بالمخاطر والأذية خصوصًا شغلانتنا اللي هي أصلًا معروفة بأنها خاصة بالرجالة بس، ومن هنا لاقيت نفسي مهددة بالسجن عشان الفلوس اللي عليا".
فتاة في مقتبل ربيع عمرها لم تختلف ملامحها كثيرًا عن النساء اللاتي يحيطن بها للعمل سويًا، الشيء الوحيد الذي جعلها مختلفة عنهن هو أنها لا زالت تدرس، والسن المختلف عنهم كرقم فقط وليس كشقاء أو عناء: "أنا عندي 19 سنة وفي أولى ثانوي تجاري –منزلي-، دخلت الثانوي كده عشان أعرف اتعلم وأصرف على نفسي، وكمان أساعد أبويا وأمي واخواتي، خرجت أشتغل وأنا بدرس ويوم الجمعة أجازتنا بذاكر فيه، عشان أي يوم أجازة غير اللي متفق عليه معانا السمسار اللي جايب الشغل بيتخصم بـ30 حنيهًا".