التأمل.. تحرير العقل من صراع الأفكار
«التأمل» طقس يقوم فيه الإنسان بتدريب عقله لتحفيز وعيه الداخلى، كى ينفتح على الكون من حوله وعلى مشاعره وأفكاره من داخله. وكثيرون ممن مارسوا التأمل يقولون: إن التأمل قد غيّرهم كثيرًا، فأصبح الواحد منهم أكثر هدوءًا، وأكثر صبرًا، وأكثر إدراكًا، وأكثر انسجامًا، وأكثر سعادة، وأكثر إيجابية، وأكثر ثقة بالنفس، وأكثر قدرة على التعامل مع أى شىء يحدث فى حياته، والأهم أكثر صحة جسديًا وعقليًا. وهذه التغيرات لا تحدث بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى استمرار التدرب على التأمل.
والتأمل يختلف عن التفكير، فالتفكير هو استدعاء لأفكار قديمة أو جديدة، جيدة أو سيئة ومحاولة الاستدعاء تستلزم جهدًا يبذله العقل بينما فى التأمل نحن نحاول تجاوز الأفكار، فلا نتلهف لأفكار جيدة ولا نحاول تجنب الأفكار السيئة، فى التأمل يسعى الإنسان للصمت الداخلى حيث يصمت عراك وضجيج وتزاحم الأفكار. فيعيش الإنسان حالة من الوعى الكامل ولكن ببطء يتيح لك رؤية ما لم تره من قبل فى تفاصيل المشاهد اليومية لحياتك. يتم التأمل عن طريق الاسترخاء التام والوصول بالعقل إلى درجة عالية من الهدوء والسكينة إما بتسليط الانتباه على فكرة واحدة أو نقطة واحدة، أى توجيه الطاقة باتجاه واحد أو إفراغ العقل من سيل الأفكار المتواصل، لذلك فالتأمل يمنع تخبط الأفكار والمشاعر، ويساعد على تطوير القدرة على قبول ما يحدث لنا كما هو، واتخاذ إجراءات واعية بدلًا من التفكير فى الماضى أو القلق حول المستقبل. التأمل ينمى القوة الداخلية ويدعم احترام الذات. الماهرون فى التأمل يستطيعون اكتشاف مكونات أجسامهم مثل الرأس والشعر والجلد، والتركيز على كل جزء منه ويستطيعون أيضًا إدراك الأحاسيس الجسدية وفهم كيف يتفاعل الجسم مع العقل، وهذه المهارة لا تهدف إلى فهم طبيعة الجسم فقط، ولكنها تساعد على الاسترخاء للحد من التوتر، والتوصل إلى معرفة طبيعة الإنسان الفطرية مما يساعد على التحرر من مخاوفه وأطماعه.
ويمكن الاستفادة من الأجواء الروحانية لشهر رمضان لبدء ممارسة التأمل فينصح الخبراء بالجلوس فى وضع مريح كالتربع على الأرض مع استقامة الظهر، وإغلاق العينين لمنع التشتت، مع البدء بالتنفس ببط، والشهيق من الأنف والزفير من الفم، وتركيز الانتباه على حركتى الشهيق والزفير فقط لا غير، وكلما أتتنا أى أفكار نتركها تمضى، ونعيد التركيز على حركتى الشهيق والزفير، ومع الوصول للاسترخاء نختار اسمًا من أسماء الله الحسنى، ونردده فى ذهننا مع كل حركة زفير.
إن التأمل لا يحتاج منا سوى أن نتوقف قليلًا، لنرى أين نحن وبعدها نحدد إلى أين نسير؟!.