ما وراء حوادث القطارات المتكررة

لا شك أن حادث اصطدام قطارين قد أصابنا جميعًا بحالة من الغضب والحزن على الضحايا والمصابين، ومن المؤكد أنه إحساس أليم لكل قلب رحيم أن نصحو على خبر كارثى باصطدام قطارين- أحدهما سحق الركاب فتناثرت الضحايا ونزفت دماء المصابين-لأن هذا أمر غير منطقى وغير مقبول منّا جميعًا.. إنها كارثة بكل المقاييس ولكنها أيضًا حوادث متكررة ومأساوية وموجعة، تستلزم فتح ملف قطارات السكك الحديدية فى بلدنا بشكل عام مع إعلان نتائج التحقيقات فور انتهائها، لنعرف تحديدًا أسبابها واجتثاثها من جذورها، ومعرفة المسئولين عن هذه المآسى التى تحدث.. وتتكرر.
إن الحقيقة الكاملة هى فقط التى يمكن أن تُرشد إلى الأسباب الحقيقية لما يحدث ويتكرر.. وحين أقول الحقيقة الكاملة، فلأنه ما زالت هناك أيادٍ آثمة تستهين بالأرواح، سواء عن إهمال أو عدم خبرة أو عن عمد ممنهج وراءه أيادٍ مخربة فى بعض قطاعات الدولة.. وكلنا يعرف أنه ما زالت هناك قطاعات بالدولة لم يتم تطهيرها من هذه الأيادى.. وإن لم تكن الأسباب بسبب خطأ أحد العاملين فى قطاع السكك الحديدية، فإن هذا يعنى أن هناك عيوبًا فادحة فى صلاحية الأجهزة أو تهالكها أو تدهور العربات أو الإشارات، أو قصورًا فى أجهزة المراقبة والمتابعة أو الصيانة أو الإشراف، أو قصورًا فى الخبرة والكفاءة فى التشغيل.
إنها كارثة مروعة بكل المقاييس أن يصطدم قطاران أحدهما للركاب، حيث خرجت عربتان منه من فوق الشريط الحديدى ليصطدم بهما قطار بضائع قادم من الاتجاه المقابل اصطدامًا مروعًا عند خط المناشى بقرية أبوالخاوى بمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة.. وتم نقل الضحايا من الوفيات والمصابين إلى مستشفيات المحافظة وسط أصوات سيارات الإسعاف التى ملأت صفاراتها سماء القرية.. وما زال هناك تضارب فى أرقام الضحايا والمصابين، فنسمع أنهم ٩ ضحايا ثُم نسمع أنهم عشرون، وهذا فى حد ذاته خبر أليم ومفزع لأسر الضحايا ومخيف لكل من يستقلون القطارات يوميًا لضرورات حياتهم اليومية.. وتجرى الآن تحقيقات دقيقة بأمر النائب العام، إذ أمر بتشكيل لجنة سباعية لذلك، والتحفظ على الصندوقين الأسودين للقطارين، وسيتم سؤال الشهود والسائقين وعامل المزلقان.
هذه الحادثة المروعة أعادت إلى ذاكرتى حوادث سابقة فى هيئة السكك الحديدية كانت كارثية أيضًا، يأتى فى مقدمتها حادث قطار الصعيد المأساوى فى نوفمبر ٢٠١٢ الذى أودى بحياة ٥١ طفلًا صرعتهم ى. الإهمال والتسيب وغياب الضمير، والذين كانوا يستقلون القطار للذهاب إلى مدارسهم البعيدة عن سكنهم.. وللأسف لم يتم الإصلاح الجذرى بشكل سريع حتى الآن، وأتذكر أننى كنت من المطالبين به منذ تلك الحادثة فى مقال منشور بتوقيعى، وانتهت التحقيقات إلى إدانة عامل المزلقان حينذاك.. وحتى الآن لم يتم الإصلاح الجذرى أو وضع خطة لضمان أمان الركاب فى هيئة السكك الحديدية.
إن ضمان طرق آمنة ومواصلات آمنة للمواطنين ينبغى أن يتم وضعه فى الاعتبار فى أقرب فرصة ممكنة وتوفير الإمكانيات لذلك، حيث لا بديل عن استخدام القطارات للمسافرين بين المحافظات وخاصة البعيدة أو التى تربط بين شمال مصر وجنوبها.
وقد دعا الرئيس السيسى- أثناء تدشين مدينة العلمين- إلى إظهار نتيجة التحقيق على الرأى العام بشفافية.. مطالبًا المهندس إبراهيم محلب بإعلان نتائج التحقيقات وحساب المقصرين وأسباب الحادث، معربًا عن استعداده لتطبيق منظومة إلكترونية لمتابعة ومراقبة الطرق.. وهى توجيهات مهمة.
ومن ناحية أخرى، فإننى أعتقد أن الخطوة الأولى التى لا تُكلف الدولة الكثير لكنها ضرورية وأساسية وينبغى القيام بها هى التأكد من سلامة القطار، والإجراءات التى تتعلق بخط سيره.. والتأكد من كفاءة العاملين بالهيئة واتجاهاتهم السياسية أيضًا لضمان الحفاظ على أرواح المواطنين.
إن الإصلاح الجذرى لأحوال هيئة السكك الحديدية ضرورة واجبة فى الفترة المقبلة، لأننا نريد وسائل مواصلات آمنة، وطرقًا آمنة، وعمالًا قادرين على العمل بشكل سليم وبضمائر حية، وهذا يمكن متابعته والتأكد منه من خلال الفحص والمراجعة للعاملين بالهيئة، نريد أن نعرف ما وراء حوادث القطارات المروعة؟.
كما أن إصلاح قطاع النقل والمواصلات وتحديثه ومتابعته لا يقل أهمية عن إصلاح منظومة الصحة والتعليم، وتوفير الأمان فى الحياة اليومية للمواطنين والمواطنات أيضًا.