حاكم «مصر والسودان» يفشل فى القضاء على أطماع إثيوبيا بالقارة السمراء
تزايدت أنشطة مصر فى السودان فى عهد الخديو إسماعيل، من إنشاء المدارس والمساجد إلى المرافق بل ووصل الإعمار إلى الصومال، بعد أن قرر ضم مناطق الساحل الصومالى (تاجورا وبربرة وهرر وزيلا) ووضعها تحت الإدارة السودانية بقيادة شارلس غردون، الذى عينه حاكمًا عامًا على السودان في فبراير من عام 1877م، وبهذا كانت تلك المناطق الصومالية تتبع رسميًا لمديرية البحر الأحمر السودانية، إلا أن إدارتها كانت تتبع مباشرة الحاكم العام فى الخرطوم، وليس لحاكم مديرية البحر الأحمر.
«الإدارة السودانية»
أصدر الخديو إسماعيل مرسوماً أعلن فيه تبعية الأراضى الصومالية للإدارة السودانية، وأن يتبع حكام تلك الأقاليم لغردون مباشرة، وكان الخديو يقدر غردون، ويوليه ثقته الكاملة ويؤمن بأنه سيحافظ على "ممتلكات" مصر فى إفريقيا، ويحميها من الاعتداءات الإثيوبية المحتملة، ولعلمه بصعوبة إدارة تلك المناطق قرر الخديو التكفل بتمويل إدارة تلك المناطق من ميزانية الحكومة المصرية مباشرة، وسمح لحكام المناطق الصومالية المحتلة بالاتصال بالقاهرة مباشرة (وتخطي الخرطوم) للحصول على معونات مالية في حالات الأزمات الطارئة، إلا أن غردون كان مسئولا عن إدارة شئون المستعمرات الصومالية في الأحوال العادية، وكانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ الصومال التي تقع بعض مناطق شواطئها تحت الإدارة السودانية في الخرطوم.
"الصراعات السياسية"
كان غردون يعى جيدا صعوبة بسط سيطرته الكاملة على تلك المناطق الصومالية، بسبب الصراعات السياسية المحلية، واحتمال حدوث غزو إثيوبي، والأعباء الاقتصادية الإضافية التى تلقيها إدارة تلك المناطق البعيدة على السودان (الفقير نسبيًا) ورفضت القبائل الصومالية القاطنة على ساحل الصومال وفي المناطق الداخلية في جنوب مصوع وحتى بربرة الاعتراف بالسيطرة المصرية، وثار الأهالي في بربرة أيضا بصورة مستمرة ضد الوجود المصري، وظلت إثيوبيا مصدر تهديد دائم للأمن في المنطقة، فقد كانت العلاقات بين إثيوبيا ومصر فى حالة توتر دائم بسبب الصراع على إرتريا، وبسبب المعركتين اللتين دارتا بين الدولتين فى عامى 1875 – 1876م، والمرارة التى خلفها الصراع بين الدولتين، واحتمال هجوم إثيوبيا على مصوع وهرر، والتى كان إثيوبيا تدعى حقوقا تاريخيا فى ملكيتهما، وكانت مصر قد هزمت في المعركتين، ووجدت نفسها في نهايات سبعينيات القرن التاسع عشر مفلسة تمامًا، ولا ترغب إلا فى تحاشي حرب مكلفة أخرى.
"البعد الجغرافي"
شكلت العوائق الطبوغرافية والبعد الجغرافي للساحل الصومالي عن السودان مشاكل عديدة فى الاتصالات، وخلقت عائقا إضافيا بين الإدارة المحلية والسلطات في الخرطوم، وبالإضافة إلى ذلك لم يكن غردون راضيًا عن الحكام المصريين الذين عينتهم القاهرة في مدن الساحل الصومالي قبل وصول غردون للخرطوم، فقد كان بعض هؤلاء الحكام قد رفضوا مقدما تعيين غردون حاكما على السودان، وهذا مما جعل العلاقة الشخصية بينهم وبين غردون في غاية السوء، وزاد ذلك من صعوبة عمل غردون في إدارة تلك المناطق.
"تجارة الرقيق"
كان من بين الصعوبات التي واجهت غردون في إدارة الأراضي الصومالية هو شيوع تجارة الرقيق على الساحل الصومالي، فقد كان من ضمن شروط عمل غردون في السودان والتي وضعها له الخديو إسماعيل هو تثبيط تجارة الرقيق فى السودان (وصارت حدود السودان الآن تمتد إلى ساحل الصومال) وكانت المنطقة شمال بربرة وحتى مصوع (والتي كانت تسكنها قبيلة داناكيل) تعد منفذًا جيدًا لتصدير المسترقين والمسترقات من جنوب إثيوبيا، وكان القاطنون بتلك المنطقة يعملون في تجارة الرقيق منذ قرون طويلة، وكانت هنالك أيضا تجارة نشطة للرقيق الإثيوبى إلى شبه الجزيرة العربية من منطقة زيلا.
وكان تثبيط تجارة الرقيق في الأراضي السودانية أمرًا عسيرًا، بيد أنه كان أشد عسرا في مناطق ساحل الصومال، ولم يكن لغردون أى أمل في منع أو تثبيط تلك التجارة دون توطيد أركان حكمه فى الأراضى التى وضع على رأسها، ولم يكن له أن يفعل ذلك دون تعاون حكام المناطق المحليين.
"غردون والخديو"
لم ينقطع غردون طوال فترة حكمه للسودان بين عامي 1877 – 1880م عن مطالبة الخديو إسماعيل والحكومة المصرية مرارًا وتكررًا بفصل ساحل الصومال عن إدارة السودان بسبب صعوبات إدارة تلك المناطق، وبسبب المصاعب المالية والاقتصادية التي كان يكابدها هو شخصيًا في إدارة السودان، ولم يكن هنالك أي أمل عنده في جمع أي ضرائب من سكان ساحل الصومال الذي صار يتبع الآن للإدارة السودانية، وقامت مصر بعقد اتفاق مع بريطانيا في عام 1877م بعدم فرض أي ضريبة استيراد أو تصدير من موانئ الساحل الصومالي.