محمد الباز يكتب: مصر مساء 29 يناير 2017
لا تستهوينى كرة القدم، لا أشجع فريقًا بعينه، نادرًا ما أشاهد المباريات من الأساس، لكننى لا أستطيع منع نفسى من متابعة منتخبنا الوطنى فى حله وترحاله، لا أتوقف عن القلق حتى أعرف النتيجة، أفرح بشكل خاص عندما نفوز، فالانتصارات حتى لو كانت صغيرة تمنحنا بهجة وقدرة على الاستمرار وسط متاعب الحياة وتعقيداتها.
عندما فازت مصر على المغرب فى مباراة دور الثمانية بمونديال إفريقيا، تحولت الشوارع إلى فرح شعبى، لم تكن الفرحة لأن المنتخب فك عقدة فريق المغرب المزمنة، فهذه تفاصيل عابرة، لكن المعنى الكبير هو أننا نريد أن نفرح، حتى لو كانت الفرحة بنتيجة مباراة.
كان هناك بالنسبة لى ما هو أهم، أعادنى الصديق محمد سميح بملاحظة ذكية إلى مساء ٢٩ يناير ٢٠١١، عاد بى إلى الوراء ٦ سنوات، تحديدًا إلى اليوم الذى كان أكثر رعبًا وعنفًا فى أحداث ثورة يناير، فهو اليوم الذى فتحت فيه السجون، وخرج منها ما يزيد على ٢٢ ألف مسجون جنائى وسياسى، وخرجت التحذيرات عبر وسائل الإعلام بأنهم سوف يهاجمون البيوت ويسطون على المحلات، ويشكلون عصابات لقطع الطرق.
أذكر هذه الليلة جيدًا، كنا قد خرجنا من ميدان التحرير فى حدود الساعة السادسة مساء، ولأن قرار حظر التجول كان قد بدأ، فلم أستطع الوصول إلى منزلى، فقررت أن أبيت هذه الليلة لدى صديق بشارع قصر العينى.
كان النوم عزيزًا ليلتها، فالصراخ كان سيد الموقف فى الشارع، الفزع يسيطر على الجميع، وعرفت من خلال اتصالات تليفونية عديدة، أن الناس يبيتون ليلتهم فى الشوارع، بعد أن قسموا أنفسهم ورديات لحماية بيوتهم من أى اعتداء.
بعد ٦ سنوات دفع فيها المصريون ثمنًا غاليًا من أمنهم وأقواتهم وطاقتهم النفسية، تحول المشهد تمامًا، فمساء ٢٩ يناير ٢٠١٧، كان الناس فى الشوارع ولكن هذه المرة للاحتفال بفوز رياضى، هو فى النهاية إنجاز يضاف لأبناء هذا الشعب.
الصورة تستحق التأمل بالفعل، لا يجب أن نفلتها من بين أيدينا، لا يجب أن نمكن دعاة الفوضى من رقابنا مرة أخرى، فهؤلاء لا يعملون إلا من أجل مصالحهم فقط، وليذهب هذا الشعب الطيب إلى الجحيم، لا تسمعوا لمن يريد بِنَا العودة إلى مربع الخوف والقلق والريبة، لأنهم لا يريدون بناء، بل يخططون للتخريب والدمار.
لا أدين ما جرى فى يناير ٢٠١١، بل على العكس تمامًا، فلولا ما حدث وقتها لما شعرنا بقيمة ما يحدث الآن على الأرض، لولا الشعور بالخوف الشديد، لما استطعمنا الأمن، ولولا الانكسار الذى عانى منه كثيرون، لنا شعرنا بطعم الفرحة.
افرحوا ولا تجعلوا أحدًا يسرق وطنكم مرة أخرى، فنحن بلا وطن لا شىء.. لا شىء على الإطلاق.