حلاوة روح.. فهمي هويدي
كتبت، غير مرة، عن هذا الدأب المنظم لفهمى هويدى، عبر مقالاته اليومية فى جريدة «الشروق»، لبث أفكاره الهدامة عن الدولة المصرية، وتشكيك المواطن فى جدوى ولائه لها.. وهى كتابات تكشف دوماً عن هوى إخوانى صريح، لا ينحاز إلا له، دون بلده الذى جعل منه كاتباً ذا مكانة بين من يؤمنون بما يذهب إليه من اعتقاد خاص نحو النظام السياسى المصرى، الذى يناصبه العداء، منذ أن خرجت جماعته الإخوانية عن سدة الحكم فى مصر، وكأنما يصحو كل يوم بحثاً عما يسفه به كل ما يجرى على أرض الكنانة، من إنجازات لا تُخطئها إلا العين التى أصابها العمى، فلم تعد تفرق بين الحق والباطل، ولا بين الجميل والقبيح، وكأنما هى مهمة أُوكلت إليه، لعله ينجح فى تشويه النظام السياسى ويعيد رسم الوجه الإخوانى الذى اكتشف الناس أنه أقبح مما عرفوه عنه، فهبوا ضد هذه الجماعة، سيئة السمعة والسلوك.
دعونا لا نعود للوراء كثيراً، بحثاً فيما كتبه هويدى عبر مقالاته فى «الشروق»، بل سنقف عند بعض من أيامه الأخيره، ليس منها دفاعه المعروف عن رفيق المؤامرة على مصر، البرادعى، بل تحديداً عند مقاله «الصبر له حدود وشروط» المنشور فى عدد الجمعة 30 ديسمبر الماضى، والذى يقول فيه، تعليقاً على دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للشعب المصرى، بمزيد من الصبر على ما نحن فيه من غلاء، انتظاراً لآثار التنمية الشاملة التى تحدث على الأرض، وهو صبر يؤدى، لا محالة، إلى رخاء بإذن الله، لأنه عندما تتحول ربوع مصر إلى ورش عمل، تقوم على البناء وإنشاء الأنفاق واستصلاح الأراضى وشق الطرق، والاستزراع السمكى، وتنويع مصادر الطاقة، فإن الغد سيكون أفضل، لنا وللأجيال التى بعدنا.. عندما نبحث فى أعماق البحار وفى بطون الأراضى عن الغاز والبترول، وما أسفرت عنه من اكتشافات ضخمة، ونقيم مشروعاً عملاقاً فى الضبعة، ونعيد بناء قواتنا المسلحة على أحدث النظم والمعدات العسكرية، بما يمنحنا قوة الدفاع عن أرضنا وشعبنا، ويعيد لمصر هيبتها ومكانتها، فإن ذلك يكون حادياً، لا تُخطئه العين، للمستقبل الواعد الذى ينتظر شعب مصر.
لكن ذلك لا يعجب الكاتب الإخوانى، الذى يقول فى مقاله «إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟.. وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة».. ثم يتهكم على من ينتصر لدعوات الصبر «نتلقى فى مصر هذه الأيام دروساً يومية فى وجوب الصبر وفضائله، وسواء كان ذلك استجابة للتوجيه التعبوى الذى يقتضيه الحال، أو أنه اجتهاد من جانب وعاظ هذا الزمان، الذين يعتلون منابر المساجد أو يطلون علينا من خلال شاشات التليفزيون، فالشاهد أن الصبر مُسكن مطلوب بشدة هذه الأيام».. ثم يبلغ مداه فى سب الشعب المصرى، بقوله «إن الصبر المجانى الذى يغيب عنه الفهم وتنعدم فيه الرؤية وتفتقد العبرة هو صبر البهائم التى تمتثل للكرب فلا تعى منه شيئاً إذا نزل، ولا تعتبر منه إذ انقشعت سحابته ورحل، ولئن قيل إن للصبر حدوداً، فإن له أيضاً شروطاً، وهو يطمئن النفوس ويرطب الجوانح إذا اقترن بعاملين هما الثقة والأمل».
وبالرغم من معايشة هويدى للحقبة الناصرية، فإنه لم يستفد من دروس الشعب المصرى وقتها، وعن قصد، تجاهل موقف هذا الشعب، المنتمى لدولته، فى أعقاب نكسة 1967، يوم أن وقف فى طوابير الجمعيات الاستهلاكية، طلباً لكيلو سكر أو قطعة لحم، متحملاً فى سبيلهما العنت والمشقة، صبراً على رجل، عندما أراد أن يتحمل أوزار الهزيمة بالتنحى، خرج شعبه فى الشوارع يطالبه بعدم التنحى، لأنه لابد للبلد أن يقف على قدميه ثانية، وأنه شعب يعرف قدر بلاده، ويؤمن أن لكل جواد كبوة، ومصر لا محالة ناهضة من كبوتها، زمان والآن، بقيادتها وتلاحم شعبها، الذى أعتقد أن هويدى ليس واحداً منه، لأنه ينتمى إلى جماعة لم يعد لها وجود، وما كتاباته إلا حلاوة روح!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.