دستور الثورة .. والمرأة المصرية
«فى أثناء عودتى من صيدليتى بإحدى القرى المصرية بسيارتى أشارت إلى إحدى الفتيات وقالت أرجوكى يا ست الدكتورة خذينى معاكى لمزرعة الطيور على الطريق. ألتفت إليها، كانت شابة تجاوزت العشرين من عمرها، يبدو على وجهها الكد والعناء، تلبس جلباباً بالياً، حافية القدمين. وواصلت الكلام أصل جوزى فى الأردن. راح علشان يدور على رزقه. وأنا هنا مع أمه وأبوه العاجز ومعايا 3 عيال. بشتغل هنا فى مزرعة الفراخ. مانتى عارفة، الأسعار غالية نار، ومصاريف البيوت والعيال كتير» هذه الفقرة من كتابى «يوميات صيدلانية». هذه الشابة وكثير غيرها من سيدات القرية خرجن للعمل ليل نهار فى الحقول لمساعدة الرجال وفى البيت وتربية الأطفال، حيث يقومن بكل الأدوار بعدما ذهب معظم رجال القرية مثل مصر كلها فى ثمانينيات القرن الماضى للعمل بالبلدان العربية بحثاً عن لقمة العيش بعد سياسات الانفتاح الاقتصادى التى أضرت بمصر وقضت على فرص العمل. خرجت المرأة المصرية لإعالة أسرتها. وتقول الإحصائيات إن ثلث الأسر المصرية تعولها النساء.
تحية للمرأة المصرية. فى اليوم العالمى للمرأة، الثامن من مارس، وفى اليوم السادس عشر من مارس يوم المرأة المصرية. بدأ يوم المرأة المصرية إحياء لذكرى مشاركة النساء فى مظاهرة نسائية كبيرة أثناء ثورة 1919 مطالبين بالاستقلال والدستور، وسقطت حميدة خليل كأول امرأة شهيدة فى هذه الثورة العظيمة. قادت هدى شعراوى مع بقية زميلاتها من النساء المظاهرات وطالبت بعد ذلك، بعد وضع دستور 1923 بحق المرأة فى الترشح والانتخاب والتعليم. وتكون أول اتحاد نسائى مصرى 1924.
واستمرت نضالات المرأة المصرية والعربية، وتكون الاتحاد النسائى العربى عام 1947. شاركت المرأة عبر السنوات الماضية الرجال فى النقابات والأحزاب والروابط والجمعيات، وكان لها دور كبير على المستوى السياسى والنقابى والاجتماعى. وأشاد بها العالم فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
تحية لأمهات شهداء مصر الذين قدموا حياتهم وسالت دماؤهم على أرض كل ميادين التحرير فى كل المحافظات فى يناير 2011 وكلهم أمل فى تغيير النظام المستبد الفاسد التابع، حالمين بتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية. تحية لأمهات شهداء مصر من الجنود الذين يستشهدون يومياً فى معركتهم ضد الإرهاب على الحدود وفى الداخل من أجل أمن وأمان البلاد، مما يذكرنى بالمادة 16 من دستورنا المصرى التى تنص على: «تلتزم الدولة بتكريم شهداء الوطن ورعاية مصابى الثورة والمحاربين القدماء والمصابين وأسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها، ومصابى العمليات الأمنية وأزواجهم وأولادهم ووالديهم وتعمل على توفير فرص العمل لهم. وتشجع الدولة مساهمة منظمات المجتمع المدنى فى تحقيق هذه الأهداف».
علينا التمسك بالدستور الذى أجمع عليه الشعب المصرى وبمواده التى تعطى حقوقا للرجل والطفل والمرأة. ونطالب نواب ونائبات الشعب بأن يكون من أولوياتهم تشريع القوانين الخاصة بكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الواردة بالدستور حتى يشارك الجميع فى بناء مصر، دولة القانون والمواطنة، دولة تقوم على النهوض بالزراعة والصناعة من أجل الإنتاج والاكتفاء الذاتى والتصدير، دولة تقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية وتعمل على تضييق الفجوة بين الجنسين، لأن الأمم تتقدم كلما ضاقت هذه الفجوة.
إن المادة 53 من الدستور، والتى تنص على عدم التمييز بين الرجل والمرأة، وعلى أن التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، تحتاج إلى تفعيل فورى بإنشاء مفوضية عدم التمييز. والمادة 93، والتى تنص على «تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة».
إن كل المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والاقتصادية والمواثيق الخاصة بالعمل والنقابات والمرأة والطفل جزء من هذا الدستور. كما أن المادة 80 من الدستور المصرى تخص حماية الطفل وحقه فى الحياة، وتنص «يعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشر... وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى». هذه المادة يا سادة ويا سيدات مهمة جداً ولابد من تغيير أو تعديل أى قوانين تخالفها، وتشريع قوانين لمنع زواج القاصرات وتجريم العنف ضد الأطفال وضد المرأة. كما أنه لابد وأن تعمل كل الأجهزة المعنية فى الدولة على القضاء على أسباب ظاهرة العنف والإيذاء البدنى والنفسى للمرأة. فلتعمل مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى على الاهتمام بتعليم الفتيات ومنع تسربهن من التعليم ومحو أمية الكبار. ولتبدأ فوراً فى عمل مشروعات إنتاجية صغيرة ومتوسطة لتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة.
كما أنه ينبغى الإشارة إلى أهمية دور الإعلام ومراكز الثقافة والفنون والإبداع، وأهمية تعديل مناهج التعليم من أجل تغيير الثقافة المجتمعية التى تتسم بأفكار رجعية متخلفة تقلل من دور المرأة وتحصره فقط فى العمل المنزلى وتربية الأطفال.
إن المادة 9 من الدستور تنص على «تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز». كما أن المادة 11 تنص على «تكفل الدولة حقها (يعنى المرأة) فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعليم فى الجهات والهيئات القضائية .... تكفل الدولة تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل»، وهذا يعنى تشريع وتفعيل قوانين خاصة بالعمل تراعى خصوصية المرأة فى الإنجاب وتربية الأطفال والأجازات الخاصة بذلك، والرعاية الصحية التى يقتضيها هذا الدور، وإنشاء حضانات فى المؤسسات التى بها عدد كبير من السيدات العاملات.