سياحـة عطلة منتصف العام
فى أوروبا والدول المتقدمة ينتظرون ـ بفارغ الصبر ـ عطلة نهاية الأسبوع، ويعتبرونها فرصة رائعة لالتقاط الأنفاس بعد عناء العمل طواله، بل يدخرون مايوازى أكثر من ثلث رواتبهم من أجل الانطلاق إلى المتنزهات والحدائق والمسارح والسينما والمكتبات العامة؛ للابتعاد عن الضغوط العصبية والنفسية لتجديد خلايا الأرواح والقلوب والعقول والأجساد، واستعدادًا لاستقبال الأيام الجديدة وصباحاتها بكل النشاط والحيوية والأمل المرتقب فى الغد...
... قناعة منهم بضرورة الصدق مع النفس أثناء العمل أو فى أوقات الإجازة والراحة؛ وإيمانًا بضرورة رفعة الوطن وتحقيق خطته الاستراتيجية نحو التقدم. هذا عن عطلة نهاية الاسبوع لديهم، فمابالكم بالإجازة الطويلة فى منتصف العام الدراسى أو إجازات العمل، فتجدهم ينطلقون ليجوبوا أقطار العالم التى قرأوا عنها وداعبتهم الأحلام بزيارتها لزيادة الثقافة المعرفية كلٌ حسب تطلعاته الشخصية، أو لمجرد الترويح عن النفس. وهذه السلوكيات الإيجابية لم تأتِ من فراغ ، إنما نتيجة التعليم منذ الصغر بتضمين المناهج الدراسية كيفية الاستفادة القصوى والانتفاع بأوقات الفراغ والعطلات، ولم تقتصر على المناهج التعليمية فقط وإنما تتم أيضًا فى أوساط التجمعات العمالية بالمصانع والمؤسسات والشركات بتنظيم الرحلات الجماعية، لتوطيد الروابط الإنسانية والاجتماعية وتكوين الصداقات فيما بينهم، وتحقيق هذا الترابط الحميمى يعود بالنفع على خدمة الوطن فى المقام الأول. وتعالوا بنا لنرى ماذا يحدث أثناء الإجازات أو العطلة الدراسية لمنتصف العام فى شرقنا العربى أو فى واقعنا المصرى، خصوصًا فى أوساط قطاعات الشباب حديثى السن والخبرة، فنجدهم حيارى بين أركان المنزل أو المقاهى والمنتديات، ومراكز «شبكات التواصل» التى لا تقدم سوى المواد الساذجة عديمة الفائدة أو الأفلام السيئة؛ لاستنزاف ما بين أيديهم من مدخرات، ولا تقدم ما يفيدهم من ثقافات تسمو بالعقل والوجدان، وتعمل على إضاعة وامتصاص الوقت والجهد والطاقة. وأجدنى ألتمس بعض الأعذار لقطاعات الشباب فى بلادنا ؛ لغياب البرامج الجادة فى تنظيم السياحة الداخلية أو الخارجية المفترض إعدادها بمعرفة الجهات المختصة، هذه البرامج التى تحض على استغلال أوقات العطلات بأبسط التكاليف وأفضل الخدمات، كى لاتصبح إجازة الأبناء لدى الأسرة بمثابة «الكابوس» الذى يهدد مسارهم باحتمال الانسياق خلف الانحرافات مع رفقاء السوء والانخراط فيما لايعود عليهم بأى فائدة، وهنا تكون العطلة أو الإجازة مصدر قلق وانشغال للأسرة المصرية من كل الجوانب، فنخسر الوقت والجهد والعقل الواعى لشباب المستقبل. ولعلى فى هذا الاستعراض لمشاكل الشباب فى الإجازة الصيفية لمنتصف العام الدراسى ونحن على أبوابها، أود أن أشير إلى مشكلة أخرى مرتهنة بتواجد السائح المصرى داخل الفنادق الساحلية وغيرها من الجهات التى قد يقبل الشباب على قضاء إجازة منتصف العام بها، ألا وهى ضرورة الانضباط فى السلوكيات وإتباع الأصول المرعية فى تلك الأماكن، ومراعاة احترام الرواد الأجانب من غير المصريين الذين يتضررون من بعض السلوكيات التى يتبعها الشباب المصرى والتى قد تخرج أحيانًا عن الحدود المألوفة . ولكننا نصطدم فى الوقت نفسه بالشكوى من معاملات أطقم الخدمات بالفنادق للسائح المصرى على أنه «زبون» من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولا يلقى المعاملة نفسها التى يتعاملون بها مع السائح الأجنبى فى تقديم الخدمات الفندقية التى يجب أن يكون فيها الجميع سواسية وبالقدر نفسه من الاهتمام ، وهذا يتطلب الرقابة الجادة والمستمرة من المشرفين على قطاعات السياحة لتحقيق التوازن الواجب والمطلوب، وحتى لا تؤدى هذه التفرقة إلى الكثير من المشكلات أقلها إحجام المصريين عن القيام بتلك الزيارات السياحية، مما يصل بنا إلى انخفاض معدلات ومؤشرات الدخل القومى الذى يستمد تدفقاته من تلكالعوائد المهمة فى الاقتصاد.
ومن أجل ذلك .. فإننى أهيب بالسادة المسئولين عن السياحة الداخلية فى بلادى، بضرورة إعداد البرامج الترفيهية الثقافية والمعرفية ؛والعمل على تنشيطها بتوزيع كتيبات مختصرة بالبرامج والأسعار، على أن تكون بتكاليف فى متناول ميزانية الأسرة المصرية المتطلعة إلى قضاء وقت الفراع والعطلات بأفضل ما يكون، وبما يتيح الاستفادة القصوى بالعائد المرجو من الهدوء العصبى والنفسى لتجديد وشحذ خلايا الطاقة اللازمة للنشاط الجسدى، ولضمان استمرارية عجلة الحياة بكل الحيوية.
وختامًا أتمنى أن نُلقى بأسباب التوتر والمشاكل خلف ظهورنا قدر الإمكان، ونسعى إلى الانطلاق بكل الحيوية والنشاط، لتكون الإجازة فرصة طيبة ورائعة للخروج من دائرة الروتين والعمل اليومى؛ ولنجعلها فرصة للالتقاء بالأقارب والأصدقاء، لنعيد ضخ الدماء فى العروق التى قاربت على التكلس تحت وطأة الإيقاع المنتظم والرتيب والنمطى فى دروب الحياة.
هيا بنا نقفز بأرواحنا الوثابة إلى آفاقٍ غابت عنا فى زحمة التكالب على المتطلبات والمستلزمات الحياتية، ولتكن العطلة هى الواحة الوارفة الظلال والحائط الرطب الذى نسند إليه ظهورنا، لنبدأ مسيرة الحياة من جديد بكل الأمل.