الأخطاء اللغوية فى إصداراتنا
تواجه إصدارات الكتب العلمية والأدبية وصفحات صاحبة الجلالة الصحافة مشكلات جمة أثناء إعداد وتجهيز المادة المراد طباعتها، تشتمل على أخطاء يقع فيها -دون قصد- مصففو حروف اللغة، الأمر الذى يترتب عليه فى بعض الأحيان الإخلال بالمعانى الأصلية المقصودة، وتقع هذه الأخطاء رغم التقدم التكنولوجى والعلمى فى مجال الطباعة، وقد علمنا آباؤنا النحويون أن علامات الإعراب «الفتحة والضمة والكسرة» قد تتسبب فى تغيير المعنى بالكامل، وكذلك فإن النقطة قد تقلب المعنى رأسًا على عقب...
... ولو كان أمير الشعراء «أحمد شوقى» بيننا اليوم، وسمع بأذنيه ماوصلت إليه لغة أصحاب الإطلالة على شاشاتنا العربية وعبر الأثير فى الإذاعة؛ ومايتفوهون به من ألفاظ ٍ غريبة على اللغة العربية ؛ لاعتذر من فوره لـ سيبويه أبو النحو العربى، ولو قدر لـ «سيبويه» وأمثاله من جهابذة اللغويين العرب أن يقرأوا اللغة التى تُكتب بها اللافتات والإعلانات المضيئة ـ للأسف ـ فى شوارعنا، أكاد أجزم أنه سيقوم بسحب قواعد اللغة التى وضعها وأرساها بعصارة فهمه واجتهاده فى جماليات لغة الضاد التى شرُفت حروفها بكتاب الله العزيز.
وإذا قمنا بالتمحيص والتدقيق فى بعض الأخطاء الشائعة فى لغتنا العربية، على سبيل المثال لا الحصر، الخطأ فى جمع مدير على مدراء، والصواب مديرون، إذ يقيسون مدير على سفير ووزير وأمير التى تجمع على سفراء ووزراء وأمراء، وهو قياس خاطئ ؛ لأن وزير وسفير وأمير مشتقة من الثلاثى: وزر، وسفر، وأمر، والياء فيها لبناء صيغة فعيل. بينما مدير مشتق من فعل رباعى: أدار. واسم الفاعل من الرباعى يأتى على وزن مضارعه مع إبدال يائه ميمًا مضمومة وكسر ما قبل الآخر. فيقال: أقبل يقبل مُقبِل، على وزن مُفعِل، ومثلها أدار يدير مُدير،فيكون الصّواب: «انتهى اجتماع المديرين العامين».
أو نجد من أخطاء المترجمين استعمالهم «كلّما» مرتين فى جملة واحدة، نحو قولهم: «كلما» تعمقتَ فى القراءة والاطلاع، «كلما» زادت حصيلتُك من المعرفة، والصواب حذْف «كلما» الثانية . وفى التنْزيل العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا». يقال: كلما زاد اطلاعُك، اتسعت آفاقك. ويقال: كلما زاد عِلمُ المرء، قلَّ انتقادُه للآخرين! وقال أحمد شوقى يصف العروبة ولسانه:
أُمّــةٌ ينتهـى البيــــــانُ إليها .. وتــؤول العلــــــومُ والعلماءُ
كلما حثــَّــت الرِكابَ لأرضٍ .. جاور الرشــدُ أهلَها والذكاء!
لذا نجد أنه لزامًا علينا وعلى الأساتذة التربويين والمعلمين، ضرورة الاهتمام بقواعد اللغة العربية وخاصة الهجاء وحروف الإملاء، وذلك بالتركيز على التفعيل المستمر للمهارات الواجبة لتعليم النشء طريقة النطق السليم للحروف، والتوعية بأهمية التشكيل حتى لا تفقد الألفاظ دلالاتها وتعطى مفهومًا آخر مغايرًا لما هو مقصود من اللفظ، وهذه المهارات تتفرع إلى طرق كثيرة فى تثبيت المعلومات فى الأذهان بتدريب الأذن على الإصغاء لمخارج الحروف، وتدريب اللسان على صحة النطق بها، وتكرار تدريب اليد على الكتابة، وبخاصة تلك الكلمات التى تقع دومًا فى دائرة الأخطاء الشائعة، فيكون التدريب المستمر مفيدًا لتعويد العين على الرؤية الصحيحة لرسم الكلمة بحروفها. ولكن أشد ما يُحزن المبدع سواء أكان إبداعه فى الشعر أو القصة القصيرة أو الرواية، أو مقالة على أعمدة الصحف السيارة، أن يرى تلك الأخطاء الفادحة فى لُحمة كتاباته، والتى تكون محل نقد وانتقاد القارىء العادى والمتخصص، فتـُـنسب إليه ظلمًا وهو منها براء، وفى الحقيقة أن كل الذنب يقع على مصففى الحروف أو هى من أخطاء التكنولوجيا المتقدمة التى يصيبها فى بعض الأحيان مايصيب من يقومون على تلك الصناعة من بنى البشر. وكم بهرنى عند حضورى لبعض الملتقيات الأدبية واللغوية فى حوارات الثقافات العربية والأجنبية، تمسك السادة المحاضرين الأجانب بالحديث بلغتهم برغم اتقانهم للعربية، الأمر الذى يجعلنى أطالب بالتمسك بالحديث فى المحافل الدولية باللغة العربية الفصحى، والمناداة بنبذ كل المصطلحات الأجنبية التى يحاول البعض أن يزج بها فى سياق الحديث، تباهيًا أو استعراضًا لملكاته اللغوية، وهذا ما أرى فيه نوعًا من أنواع الاستخفاف والاستهانة بعربيتنا السامقة!. لذا أنادى بضرورة الاعتناء بالشكل المادى للكتاب العربى وجعله جذابًا ومشوقًا لطلائع الأجيال الجديدة من الطلاب، حبذا لو نادينا بضرورة التنبيه على التحدث باللغة الفصيحة داخل الفصول وتدريب الطلاب على ذلك كما يحدث فى مدارس التعليم الأجنبية، حتى نجد أولادنا فى مستقبل حياتهم خلف الشاشات وعبر أثيرالإذاعة يشنفون أذاننا بكل ماهو طيِّب من جماليات اللغة العربية، والبعد كل البعد عن اللهجات المحلية الدارجة ؛حتى ترتفع اللغة العربية إلى مرتبة التقديس والاعتزاز بالقومية.