محاربة الفساد بالشفافية.. وتوافر المعلومات
كل ذلك أدى إلى امتداد جذور أشجار الفساد إلى باطن الأرض، ونمو ثعابين الفساد وخروجها الآن من جحورها لتبث سمومها فى جسم جهاز الدولة، ومحاولة وحوش الفاسدين الذين يتحركون على الأرض التمسك بامتيازاتهم وقوانينهم التى تنهش فى جسد الدولة، وتقف عائقاً أمام تحقيق التنمية الحقيقية والنهوض بمصر فى هذه المرحلة. كان الفرعون حاكم مصر فى الدولة الوسطى يقسم على أن يعدل بين الناس، وأن يعطى الفلاح حقه وأن يحافظ على مياه النيل من التلوث، فالمياه مصدر الحياة للشرب ورى الأراضى وزراعة المحاصيل. وتعاقبت الحكومات على مصر، وتعاقبت الثورات، إلى أن وصلنا مع سياسة الانفتاح الاقتصادى بدءاً من عام 1974، إلى التعدى المفرط على الأراضى الزراعية، وتلويث مياه النيل بمياه الصرف الصحى وصرف المصانع.
تقول التقارير الصادرة عن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى فى الفترة الأخيرة إن هناك عدة آلاف من الأفدنة المروية بمياه الصرف الصحى والصناعى غير المعالجة، مما يصيب أكثر من مائة ألف مواطن مصرى بالسرطان والفشل الكلوى وأمراض الكبد سنوياً.المصريون يشربون مياهاً مختلطة بمياه الصرف الصحى نتيجة للإهمال والفساد الذى أدى إلى عدم صيانة أو إحلال وتجديد شبكات المياه مما أدى لنشر عدد من الأمراض، ومنذ سنتين كانت كارثة انتشار التيفود فى أحدى قرى محافظة القليوبية. وفى تصريحات منشورة بجريدة الدستور السبت 22 أغسطس 2015 للدكتور سعيد سليمان أستاذ ورئيس قسم بكلية الزراعة جامعة الزقازيق: «الإهمال فى الإدارة الزراعية والتراخى فى تفعيل دور الرقابة أدى إلى دخول مبيدات مسرطنة وأدوية بيطرية مجهولة المصدر، واستخدامها يؤدى إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان». ونحن نعلم أن فساد وزارة الزراعة منذ تولى يوسف والى فى الثمانينيات أدى إلى دخول المبيدات المسرطنة والتقاوى الفاسدة من جميع البلدان وعلى رأسها الكيان الصهيونى. كما قضت سياسات يوسف والى على الدورة الزراعية وزراعة المحاصيل الأساسية، غير التعدى على الأراضى الزراعية والبناء عليها. ويحاول وزير الزراعة الحالى الدكتور صلاح هلال، ضرب أخطبوط الفساد عن طريق الرقابة والمحاسبة وتحويل الفاسدين إلى القضاء.
هذا غير الفساد والإهمال الذى أدى إلى استخدام الهرمونات فى معظم مزارع الدواجن مما أدى إلى تشويه التوازن الهرمونى للرجال والسيدات، مما لا يستبعد وصوله للتسبب فى العقم فى عدد من الحالات. وإذا انتقلنا إلى بقية مؤسسات الدولة نجد أنه عبر هذه السنوات تم سن قوانين للمحاسيب والأقارب والحبايب والنسايب لتعيينهم كمستشارين وإعطائهم أجوراً خارج منظومة الأجور، والتى أوصلتنا فى عهد نظام المخلوع إلى أن هناك 1000 موظف فى الإدارة العليا دخله مليون ومائتا ألف جنيه فى الشهر، بينما ثلثا أصحاب المعاشات يتقاضون أقل من 300 جنيه شهرياً، و43% من المصريين تحت خط الفقر وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولى عام 2008. وإذا تناولنا صورة أخرى من صور انتشار الفساد نجد عدم قدرة الدولة على ضبط السوق والأسعار، وترك المحتكرين القلائل يتربعون على عرش الاحتكار فى عدد مهم من القطاعات: قطاعات الأسمنت، الحديد، الأدوية، الألبان، السيراميك، وقطاع الاتصالات. كل منهم يسيطر على السوق ويفرض أسعاراً عالية، ويضر بالمستهلكين وصغار المنتجين، ويعجز جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية عن الملاحقة والمتابعة والتحقيق فى كل الشكاوى لأن هذا الجهاز ياسادة، والذى يقوم بالتعامل مع قضايا تغطى 27 محافظة وسوقاً استهلاكية يصل تعدادها إلى 90 مليون نسمة، لا يوجد فيه غير 12 موظفاً وباحثاً. تصوروا؟! معنى هذا أن الدولة غير جادة فى ملاحقة المحتكرين ومراقبتهم ومحاسبتهم. كما أن نار الأسعار أشد من نار حرارة الجو فى الفترة الأخيرة، والحكومة لم تنجح فى ضبط الأسعار رغم محاولات بيع بعض السلع الأساسية بأسعار منافسة فى بعض منافذها. إن الفساد والإهمال الذى استشرى فى مفاصل الدولة يحتاج للقضاء عليه إلى منظومة متكاملة تعتمد على النزاهة والشفافية والمراقبة والمحاسبة، وإلى تعديل عدد من اللوائح والقوانين التى تساعد على استمرار الفساد.
مصر دائماً فى تقرير الشفافية الدولية والعربية والمحلية تحتل مركزاً متقدماً فى الدول الأكثر فساداً والأقل شفافية. وأول بند فى مكافحة الفساد هو توافر المعلومات وحرية تداولها. لماذا حتى الآن لم يصدر قانون حرية الوصول إلى المعلومات وتداولها؟ كم من قضايا تم استبعادها وعدم تحريكها بعد التحقيق فيها، تمس كبار الفاسدين فى الدولة؟ هل يمكن تحريك القضايا الآن يا أجهزة الرقابة وأجهزة حماية المال العام؟ هل تتوافر إرادة سياسية لتطهير المؤسسات والشركات القابضة والدواوين الحكومية من الفاسدين والقوانين الفاسدة؟ هل تعلمون أن أصحاب الجاه والمال والمتاجرين فى كل شىء وبكل شىء يجهزون للسيطرة على البرلمان القادم بقوة المال وتربيطات الفساد، ليتمكنوا من وضع قوانين تضمن استقرار مصالحهم وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورتى يناير ويونيه.