"الخدمة المدنية" يفجر بركان الغضب الصامت داخل الجهاز الإداري
"الوظيفة الميري" . . حلم لطالما داعب مخيلة ملايين الشباب ممن سعوا بكافة السبل المشروعة منها وغير المشروعة لاقتناص فرصة الفوز بوظيفة تحقق لهم الأمان والاستقرار اللذين يفتقرهما أقرانهم ممن لم يجدوا مفرا من اللحاق بركب القطاع الخاص، تحت شعار: "إن فاتك الميري أتمرمغ في ترابه"، لكن تلك الآمال سرعان ما تتبدد بمجرد أن يخوض الموظف معترك العمل ويجد نفسه أمام راتب لا يكفي حتى لتوفير قوت يومه، ليضطر للبحث عن عمل إضافي.
وظلت معاناة الموظف العام قضية مسكوت عليها لسنوات، حتى جاء قانون الخدمة المدنية ليفجر معه بركان الغضب الصامت منذ عقود طويلة ظل علي مدارها الموظفون انفسهم يحلمون بالتغيير وتحقيق مكاسب ربما لم تلوح في الأفق بعد ولكنها تظل متكأهم الوحيد للصبر على الضغوط المادية للحياة.
ومع إقرار القانون الجديد اعتقد الموظفون، أنه بمثابة نهاية طال انتظارها لمعاناتهم، آملين أن يحقق لهم العدالة المنشودة في توزيع الأجور ومستوي لائق للمعيشية يكفيهم ذل البحث عن مصدر رزق اضافي، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث حرمهم القانون من الزيادات السنوية التي كانوا يتمتعون بها في السابق.
واشتكي عدد من الموظفين من تدني اجورهم مقارنة بمن يؤدون وظائف ممثالة في جهات إدارية أخري، مشيرين الي أن الكثيرين من كبار الموظفين ممن أمضو ما يقرب من 25 عامًا فى العمل داخل الجهاز الإداري لم تتجاوز رواتبهم الألف جنيه، لكن الحوافز والمكافآت كانت باب الرحمة الذي أغلقة قانون الخدمة المدنية في وجوههم.
وقال الموظفون: إن القانون ساوي بينهم في الظلم بعدما أوقف كافة اشكال الزيادات المستقبلية في الأجور لكبار وصغار الموظفين علي حد السواء، دون العمل علي وضع معايير وقواعد محددة به للعمل علي زيادة الرواتب سنويًا بما يتواكب مع غلاء الأسعار المستمر.
ومن جانبه، أكد الدكتور صفوت النحاس، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم و الإدارة الأسبق، أن منظومة الأجور لدي العاملين بالجهاز الإداري تحتاج الي زيادة، نظرًا لان المرتبات لازالت ضعيفة ولا تتواكب مع ارتفاعات الأسعار، مضيفا" الأجور محتاجة تزيد والمعاشات ايضا ولابد من تعديل قانون التأمينات لكي يواكب متغيرات الحياة ويتناسب مع المتغيرات التي فرضها قانون الخدمة المدنية".
وقال: "25% من الموازنة العامة موجهه الي الأجور ولكن الضغوط التي مورست علي الدولة في اعقاب ثورة يناير والاحتجاجات الفئوية المطالبة بالتعيين حمل الجهاز الإداري أعداد تفوق احتياجاته بكثير فلم يشعر الموظف بأي تحسن مادي".
وأشار النحاس، إلي أن قانون الخدمة المدنية أغلق أبواب عديدة للفساد داخل الجهاز الإداري سواءً المتعلقة بالتعيينات وصرف الحوافز والمكافآت دون أسس ومعايير محددة وواضحة، مضيفا أن التفاوت غير الطبيعي بين الجهات الحكومية المختلفة وتحديدًا بين موظفي المالية والادارات التابعة لها من جهه والمحليات من جهه اخري خلق حالة من الاحتقان بين الموظفين.
من جانبها، أكدت الدكتورة غادة موسى، عضو لجنة الإصلاح الإداري، أن قانون الخدمة المدنية لن يكون نهاية المطاف وما يتضمنه من نصوص ومواد جاءت بما يتوافق مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية خلال المرحلة الراهنة، مشيرة إلى أنه ليس العصا السحرية التي ستحل كافة مشكلات الموظفين، وإنما يهدف إلى ضبط العمل داخل الجهاز الإداري وتحقيق العدالة في هيكل الأجور بين الجهات الإدارية المختلفة بعضها البعض وداخل الجهة الواحدة.
وشددت غادة موسى، في تصريح لـ"الدستور"، على أن تخوفات الموظفين من تثبيت قيمة الأجر المكمل ليست في محلها، حيث إنه وفقًا للمادة 40 من القانون تحق للسلطة المختصة منح الحوافز حسب طبيعة العمل بعد موافقة رئيس الوزراء مما ينفي شائعة تثبيت قيمة الأجر المكمل، أما بالنسبة للعلاوات فهي أيضًا قابلة للزيادة في المستقبل، بما يتلائم مع الوضع الاقتصادي وحسب القدرة على السيطرة على معدلات التضخم واستقرار الأوضاع الاقتصادية في المستقبل القريب.
الخبير الاقتصادي، الدكتور رشاد عبده، رأى أن القانون جاء لتحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة وتصويب مسار الأجور لدى موظفي القطاع الحكومي من خلال زيادة الأجر الوظيفي إلي 75% بدلا من 20% والأجر المكمل إلى 25% من إجمالي دخل الموظف، إضافة الي رفع قيمة العلاوات سواءً التشجيعية او التميز العلمي الي نسب من الأجر الوظيفي.
وأكد عبده، أن الحكومة حرصت خلال المرحلة الراهنة علي ألا يضار موظف من تطبيق القانون ماليا، بينما الحديث عن أي زيادة مستقبلية في الأجور سيكون مرتبط بزيادة إيرادات الدولة، نظرًا لمحدودية إيرادات الدولة وارتفاع فاتورة المصروفات، خاصة وان تفعيل القانون بما يقدمه من امتيازات تتعلق برفع قيمة العلاوات ونظام المعاش المبكر يزيد العبء علي الموازنة بقيمة 10 مليار إضافية.