"الضبعة".. من عبد الناصر لـ"السيسي": خطوات على طريق تحقيق حلم مصر النووي
حلم قدر له 60 عاما.. يلوح في الأفق ويأبى على أن يتحول لواقع.. فعلى مدار ثلاثة عقود وحقب رئاسية مختلفة.. لم تتمكن من ترجمة مشروع "الضبعة" إلى حقيقة ملموسة، ذلك الحلم الذي زرع فكرته الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليدخل حيز التنفيذ الفعلي على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتدخل مصر معه عالم النووي.
ويعد إقامة محطة نووية لإنتاج الطاقة في منطقة الضبعة، حلم جميع المصريين في ظل حاجة ملحة للطاقة، ودراسات تؤكد أن البترول والغاز لن تبقى طويلاً، ليكون البديل هو المحطات النووية.
وركز العلماء على منطقة الضبعة باعتبارها أكثر المواقع المناسبة للحصول على الطاقة الكهربائية من المحطات النووية، لوقوعها على شواطئ البحر المتوسط، ما يسهل الحصول على مياه التبريد لمحولات الطاقة الكهربائية.
و"الضبعة" هي مدينة في محافظة مطروح، تبدأ إداريا من قرية غزالة شرقا حتى قرية فوكة غربا، ومساحتها تبلغ 60 كيلو على الساحل وتوجد بها منشآت تعليمية مختلفة، ويمر بها خط للسكة الحديد كما تبعد عن الطريق الدولي مسافة 2 كيلومتر.
ويقع مشروع الضبعة النووي في الكيلو 135، بطريق "مطروح ـ الإسكندرية" الساحلي، بمساحة 45 كيلومترا مربعا، بطول 15 كيلومترا على ساحل البحر، وبعمق 5 كيلومترات.
ومر مشروع الضبعة بمراحل من التطور والانتكاس، لترتفع سقف الأحلام مع الرئيس الراحل عبد الناصر، وتعاود أدراجها في السبعينيات وعهد "مبارك"، إلى أن يأتي الرئيس عبد الفتاح السيسي ويجدد الآمال ويضع ملامح عامة للمشروع على أرض الواقع.
عبد الناصر.. وبداية الحلم
بدأ حلم مصر النووي في عهد عبد الناصر، ووقعت مصر على اتفاقية "الذرة من أجل السلام" في عام 1953 لتكون بداية رحلة الألف ميل، وأوضحت مصر خلالها رؤيتها السياسية في تكريس مبدأ السلام، وبعدها بعامين تم تشكيل لجنة الطاقة الذرية برئاسة عبد الناصر.
وفي عام 1956، وقع عبد الناصر عقد الاتفاق الثنائي مع الاتحاد السوفيتي بشأن التعاون في شئون الطاقة الذرية وتطبيقاتها في النواحي السلمية.
وتابعت مصر المسيرة في سبتمبر من نفس العام بتوقيع عقد المفاعل النووي البحثي الأول بقدرة 2 ميجاوات مع الاتحاد السوفيتي، وتقرر في العام التالي إنشاء مؤسسة الطاقة الذرية.
ولم تظهر السيادة المصرية في شأن الطاقة الذرية جلية إلا عام 1957، عندما أصبحت عضوًا مؤسسًا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصلت على معمل للنظائر المشعة من الدانمارك في العام نفسه.
وكانت اتفاقية التعاون النووي مع المعهد النرويجي للطاقة الذرية التي تم توقيعها عام 1961 خطوة إيجابية في مجال الطاقة النووية، ليتم في نفس العام تشغيل المفاعل النووي البحثي الأول.
وفي عام 1964 طرحت مصر مناقصة لتوريد محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 150 ميجاوات وتحلية المياه بمعدل 20 ألف متر مكعب في اليوم الواحد، ثم جاءت حرب 1967، لتتوقف معها كل الخطوات.
السادات.. يتابع استكمال الحلم
استكمل الرئيس الراحل أنور السادات تحقيق حلم المصريين، ففي مطلع عام 1974 طرحت مصر مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 600 ميجاوات، وتم توقيع عقد لتخصيب "اليورانيوم" مع الولايات المتحدة، وكذلك توقيع اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة ولكن عام 1976.
وتوقفت كل الجهود نهاية فترة السبعينيات؛ بسبب تعنت الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من الشروط التي تصب في صالحها، كان منها أن تشمل الاتفاقية على التفتيش الأمريكي على المنشآت النووية المصرية كشرط لتنفيذ المشروع، الأمر الذي لم تقبله الحكومة المصرية آنذاك واعتبرته يمس بسيادتها وسيطرتها على مشروعاتها النووية؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى توقف العمل في المشروع.
مبارك.. وتوقف الحلم إلى أجل غير مسمى
في عهده اتسمت رحلة الطاقة النووية المصرية بالجمود نوعا ما، حيث انضمت مصر عام 1981 لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ووقعت عدة اتفاقيات للتعاون النووي، كما وقعت في العام التالي اتفاقية للتعاون النووي مع كندا.
وفي عام 1983، كانت لمصر الريادة، حيث طرحت مواصفات مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 900 ميجاوات، إلا أنها توقفت عام 1986، وكانت الحجة الرسمية لذلك هي المراجعة للتأكد من أمان المفاعلات بعد حادث محطة "تشيرنوبل".
وكان عام 2002 فارقا في تاريخ مصر، حيث أعلنت عن نية إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية في غضون 8 أعوام بالتعاون مع كوريا الجنوبية والصين.
وفي شهر أكتوبر عام 2004، قام "زهير جرانة" وزير السياحة المصري برفقة محافظ مطروح ووفد أجنبي بزيارة مدينة الضبعة، وصرح بعد الزيارة بأنه سيتم تحويل المدينة إلى قرى سياحية، وقضى ذلك التصريح على كل الآمال المتعلقة بحلم مصر النووي.
وفي 25 أغسطس، حسم الرئيس الأسبق حسني مبارك، جدلا يدور منذ ثلاث سنوات حول موقع أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، وأقر اختيار منطقة الضبعة على الساحل الشمالي الغربي للبلاد، لتكون موقعا لأول محطة كهرباء تعمل بالطاقة النووية في مصر.
ومنذ الإعلان عام 2007 عن تفعيل البرنامج النووي المصري الذي تم تجميده في العام 1986 بعد كارثة تشيرنوبيل، يدور جدل واسع حول ما إذا كانت منطقة الضبعة هي المكان الملائم لإقامة المفاعل.
وقالت الصحف المصرية إن بعض رجال الأعمال يمارسون ضغوطا لاختيار موقع بديل لرغبتهم في إقامة قرى سياحية على الساحل الشمالي الغربي لمصر في موقع الضبعة.
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن وزير الكهرباء حسن يونس وقتئذ أن المناقصة العالمية لإنشاء المحطة النووية بالضبعة سيتم طرحها نهاية هذا العام، وقدر تكلفة إنشائها بنحو 4 مليار دولار.
ثورة 25 يناير.. ومرحلة جمود
وجاءت ثورة 25 يناير وبدأ تراشق الاتهامات بين الثوار ورجال نظام مبارك بأنهم أرادوا بيع منطقة الضبعة، حينما عرضوا على "حسن يونس" وزير الكهرباء والطاقة السابق اختيار أي موقع آخر لبناء المشروع النووي، في مقابل إلغاء مديونية هيئة المحطات النووية بما يعادل 800 مليون جنيه.
مرسي.. الوعود لا دين لها
كان عهده بمثابة انتكاسة كبرى للحلم النووي المصري فلم يخرج من نطاق الوعود البراقة، ففي عام 2012، وبعد توليه رئاسة الجمهورية بأشهر قليلة قام محمد مرسي بزيارة محافظة مرسى مطروح، وأمر وقتها بإقامة المحطة النووية على أرض الضبعة، ووعد بتعويض أهالي المنطقة عن الأرض التي لم يحصلوا على مقابل عادل عنها، وهو الأمر الذي لم يقتنع به أهالي المنطقة فنظموا تظاهرات عديدة فأدى ذلك إلى توقف المشروع.
عدلي منصور.. توقف مؤقت
جاءت ثورة 30 يونيو 2013 التي توقف فيها أيضًا بحث المشروع النووي لفترة كبيرة، وتم تعيين الرئيس المؤقت "عدلي منصور" الذي أعلن عن بدء مشروع قومي لإنشاء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بنفس المنطقة، وتم تسليمها بالفعل إلى القوات المسلحة المصرية.
السيسي.. وتنفيذ الحلم
عقب انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أحيا المشروع من جديد وقرر البدء في إنشاء المحطة النووية، وأعلن أن منطقة الضبعة هي المكان الأنسب لإقامة المشروع، في وقت أصبح الخيار النووي ضرورة ملحة، وأحد متطلبات الأمن القومي المصري.
وكانت زيارته إلى روسيا أولى الخطوات، حيث أعلن الرئيس السيسي أنه تم الاتفاق على إقامة منطقة حرة مع الاتحاد الروسي، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة.
وانتهت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة من أعمال البنية التحتية لمشروع الضبعة النووي لتوليد الكهرباء، وجار تنفيذ المرحلة النهائية من أعمال التشطيبات الخاصة بمباني العاملين.
وتشمل البنية التحتية للمشروع إنشاء برج الأرصاد لقياس درجات الحرارة والرطوبة واتجاهات الرياح، إضافة إلى إنشاء مباني العاملين وأجهزة قياس المياه الجوفية والزلازل والتيارات البحرية وإمداد خطوط الغاز والمياه والكهرباء والاتصالات.
وبدأت أولى خطوات هذا الحلم بزيارة وفدًا من دولة روسيا يضم 18 خبيرًا في مجال الطاقة النووية والأرصاد والزلازل، من شركة "روز آتوم" الروسية العالمية المتخصصة في إنشاء المحطات النووية، لتفقد موقع مشروع الضبعة النووي وتفعيل مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الرئيس السيسى ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لإقامة محطتين نوويتين لتوليد الكهرباء في أرض الضبعة كمرحلة أولى.
وفي سبيل الخروج من أزمة مشروع الضبعة النووي، أهدت القوات المسلحة أهالي الضبعة مدينة سكنية بتكلفة مليار جنيه.
وعلى بعد 5 كيلومترات من المكان المخصص لإنشاء المفاعلات النووية، تقع مساحة من الأرض الجرداء تصل إلى 2383 فدانا، وهو المكان المخصص لإنشاء مدينة سكنية لأهالي الضبعة.
القدرات الإنتاجية
ويهدف مشروع الضبعة النووي، إلى تشغيل 4 مفاعلات نووية بقدرات إنتاجية تتراوح من 900 إلى 1650 ميجاوات للمحطة الواحدة، ومن المقرر تشغيل أول محطة من المحطات الأربعة في 2019، والانتهاء بشكل كامل من إنشاء أول مفاعل نووي المصري، ودخول الطاقة الإنتاجية له الخدمة في 2025.
وأعلنت وزارة الكهرباء، ما توصلت إليه المناقشات مع الجانب الروسي لتفعيل إنشاء محطات لإنتاج الطاقة النووية ودخولها في الخدمة إلى جانب المحطات التقليدية.
وتم التوصل لاتفاق بين الجانبين على تشكيل لجنة مصغرة تكون نقطة الاتصال لتفعيل الاتفاقية الموقعة منذ 2008 في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في مصر وبحث دراسة تنفيذ إنشاء المحطة النووية لتوليد الكهرباء بالضبعة.