الخطاب المتسلف.. حقيقته الغائبة
إن الخطاب المتسلف لا يصلح مطلقاً بما فيه من أغاليط شرعية ومبتدعات اعتقادية، وعنف فكرى حاصل وشاهد، وعنف مسلح خرج من عباءته كل أشكال إهلاك الحرث والنسل بداية من موطن النشأة، جزيرة العرب، إلى مصر والجزائر والسنغال والصومال ونيجيريا ومالى وغيرها، لا يصلح مطلقاً للتعبير عن صحيح الدعوة الإسلامية.
لا يكف أشياخ فرقة «الوهابية- السلفية المدعاة بفصائلها المتعددة المتنوعة: الدعوية والحركية والجهادية- وفى الحقيقة والواقع تخريبية تدميرية- وهى حلقات متصلة من عنف فكرى إلى عنف مسلح، عن الادعاء أن مذهبهم المتسلف منهج الإسلام!، وأنهم «الفرقة الناجية المنصورة، ومن عداهم فيه زيغ وفساد.
هذه ادعاءات ممجوجة بنصوص وقواعد الشرع المطهر، وفقه الواقع لما يلى: من المجمع عليه شرعاً وتاريخا أن صدر الأمة المسلمة مسماهم القرآنى المحكم«السابقون» قال الله- عز وجل- «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار».. من الآية 100 سورة التوبة، ولم ترد أى لقطة تصرح بسلف يراد بها ما ذكر لا فى كتاب الله- عز وجل- ولا فى صحيح سنة سيدنا رسول الله «عليه الصلاة والسلام»، فاللفظة «سلفية» كلفظة «صوفية» لا يعلم وضعها، وصدر الأمة من سادتنا المهاجرين والأنصار «رضى الله عنهم» لا يصح فى العمل العلمى السليم النسبة إليهم بحال لانتهاء هذه المرحلة التاريخية الباهرة لموت رجالها، وبالاستقراء الأمين فى الأعصار التى تلت هذه المرحلة فإن مبادئ بعض الحنابلة ادعت أنها منسوبة إلى سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وأصحابه «رضى الله عنهم»، وهذه ادعاءات مكذوبة مدلسة تجافى المنهج العلمى السليم وتناهض التحذير النبوى «من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، متفق عليه، وبالمثال يتضح المقال.
التقسيم الثلاثى للتوحيد: أمر مخترع، ربما لأعمال تعليمية لا ينهض أن يكون أصلاً أو ركناً لإيمانيات الإسلام، بعد وفاة مولانا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بقرون، ولم ترد أثره من علم لجيل الصحابة والتابعين عنه، بل بدأ مع صغار تابعى التابعين، فكيف ينسب هذا زوراً إلى منهج رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وأصحابه؟.
مبادئ اعتقادية أخرى كالخوض فى ألفاظ، موهمة للتشبيه مؤدية إلى التجسيم، تقدس الله العظيم عن ذلك، وجعلها «صفات» وإغفال سياق النص الشرعى ومناسبته وفحواه! فجعلوا له بناء على الظاهر اللغوى لا الحقيقة الشرعية وهى فى الواقع العلمى مقدمة على الحقيقة اللغوية: «يد»، «يدان مبسوطتان »، «أيد»، «كلتا يديه يمين»! وكلها واردة فى النصوص لاعتبارات ودلالات غيرما يتقول به واضعو الفرقة المتسلفة فكيف «مع الظاهر»- تستقيم هذه الإطلاقات على البارئ - سبحانه وتعالى وتنزه وتقدس-، وجعل مكان حسى ومسافة ومساحة لله «جل شأنه» بمقتضى ظواهر بعض النصوص «فى السماء» أى سماء، وإغفال ما سواها مثل «أأمنتم من فى السماء» سورة الملك 16 «وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله»، سورة الزخرف 84، «وهو الله فى السماوات والأرض» سورة الأنعام 3»، «ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم» سورة المجادلة وجهة الفوقية الحسية حسب المعتقد المتسلف، تبطلها كروية الأرض ودورانها، وهم ينكرون هذه الحقيقة العلمية.
هرطقات فلسفية تأباها النصوص الشرعية، بل هى تأويلات لفرقة المعتزلة، وعقيدة «التوحد» لا «التوحيد» عند النصارى، والقول بفناء النار.. إلى آخر ما تعج به كتب المتسلفة وتصدح به ألسنة أشياخ يرددون ما يرونه مسلمات عقائدية منسوبة إلى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وأصحابه كذباً وزوراً.
وما سوى ذلك من تكفيرهم لمن عداهم كالأشاعرة والماتريدية والأباضية والصوفية ومعتدلى الشيعة وعداوتهم لجماعة «الإخوان» و«الدعوة والتبليغ» وعدوانهم على أئمة العلم كالنووى وابن حجر والزمخشرى.. إلخ، وسعيهم الحثيث لإضعاف الأزهر أو إغلاقه، ومعاداتهم للحضارة المعاصرة فى عادات مباحة، وافتعال أزمات وصراعات فى كل بلد يحلون به لنشر معتقداتهم كرهاً على حساب تخطئة وتجهيل من سواهم سواء بلاد العرب والعجم.
لقد حذر نبى الإسلام «صلى الله عليه وسلم» من فتن تخرج من «نجد» خاصة وحدد «تحليق رؤوسهم» و«أزرهم إلى أنصاف سوقهم» و«يقولون من قول خير البرية، ويمرقون من الدين مروق السهم من الرمية» وغيرها!، ونبه الإمام الحنبلى الخطيب الجوزى على خطورة ومضار مدعاهم وبرأ الإمام أحمد بن حنبل «رحمه الله تعالى» من التدليس عليه، ويبلغ الهوس المتسلف مداه حينما يصرح أحدهم من نجوم قنواتهم المدعومة، بأموال خرافية «أن محمداً - هكذا- إمام السلفيين» منسوبة للشيخ محمد حسان- غفر الله له-.
وعلى العلماء المتجردين لله «عز وجل» عقد ورش علمية لتصحيح مفاهيم مغلوطة، وتصويب أفكار خاطئة، لحسن فهم الإسلام وحسن عرضه، أما الفرقة الناجية المنصورة فهى فى أواخر الزمان وقت الإلحاد وجلهم بالأخبار الصحيحة مرابطون على أكناف بيت المقدس وليسوا على من لا تحسن ذكره، والله الهادى إلى سواء السبيل.
ملحوظة: «هذه الرسالة أرسلها إلى أخى فضيلة الأستاذ الشيخ: د. محمد بديع- مرشد الإخوان «حفظه الله تعالى»، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد تجاوز عديدون من منسوبى جماعة «الإخوان» حدود الأدب والحوار البناء واللياقة، ضدى بوسائل متنوعة، وبإمكانى بعد توثيق تشهيدهم مقاضاتهم فى الدنيا، إلا أننى سأترفع بأخلاق الإسلام عن ذلك، وأشكوهم إلى الله «عز وجل» وعنده تقف الخصوم، لقد عانى أزهريون متجردون للدين الحق دون تحزب أو تعصب من شائعات ومهاترات إخوانية، وسلفية مدعاة وهابية من عينة «علماء سلطة»، وحالياً «فلول» مع تنابز بألقاب وسوء ظن وسائر ما يجافى القرآن الكريم ويناهض الأخلاق المحمدية ولعل مرده إلى لغة الاستعلاء فى الأرض والغرور والصلف وهى بدايات النهايات بموعود الله «عز وجل»، وإن غداً لناظره قريب.
لا خصومات شخصية، بل مجرد آراء علمية لما أراه مخالفاً للشريعة الإسلامية كان الواجب إما الرد الموضوعى أو الصمت، أما اختلاق أباطيل واتهامات لا ظل لها من حقيقة ولا أثرة من صدق، فدليل على إتجار بالدين وجعله مطية لأمور الدنيا وقد كان وستزول عما قريب.
لا أجد لهم كبيراً بالعياط يردهم إلى جادة الصواب، فأشكوهم وأكابرهم إلى الله«عز وجل»، وأنأى بنفسى عن مجرد مجالستهم ومناقشتهم ومعاتبتهم فطلاب الدنيا وعبيد المناصب وأسرى الشهرة والشهوة لا فائدة منهم وفيهم.
«وحسبنا الله ونعم الوكيل»
■ أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر القاهرة