في العاشر من رمضان ... "خديجة " ترحل وتترك الرسول وحيدا
أحب سيدات الكون إلى رسول الله، وأقربهم إلى قلبه، من سيدات أهل الجنة، آمنت بالرسول حين كفر الناس وصدقته عندما كذبه الجميع، وواسته بمالها، ورزقه الله منها الولد دون غيرها، إنها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، الطاهرة قبل البعثة والأكثر طهرا بعدها.
كانت التجارة مفتاح خير على أمنا خديجة، كونها سبب تعرفها برسولنا الكريم، فأمانة الرسول وصدقه أهلته للإشراف على تجارتها، فكان مصدرا للخير الكبير كحاله منذ طفولته، وأبت خديجة أن تحرم نفسها فضل الرسول، بعدما رأت فضله وبخاصة مع تظليل السحب له إبان رحلته للشام.
وفي سنوات ما قبل البعثة، قامت خديجة بدور الزوجة المحبة والمطيعة، إذ أغرقت الرسول بحبها وعطفها، وأنجبت له جميع أبنائه عدا عبد الله، الذي ولد بعد البعثة ، وكان قلبها فياضا يدر بالعطف على كل من يحيط به، إذ قامت بتربية على بن أبي طالب وزيد بن حارثة والزبير بن العوام واعتبرهم أبناءها الذين لم تنجبهم.
وكانت على ميعاد مع صبر كبير وثواب عظيم، فبعد خمسة عشر عاما من زواجها نزل الوحي على رسولنا الكريم، وعاداه قومه، فتحملت معه أعباء الدعوة، تحملت معه المُقاطعة، والأذى، والتكذيب، والتضييق، والتنكيل، وكانت عضده الذي يسانده للقيام ويشد من أزره.
شهد لها الناس برجاحة العقل والذكاء الخارق، ومن دلائله ما فعلته لإثبات أن ما ينزل على الرسول ما هو إلا وحي، وليس جن، إذ طلبت من الرسول أن ينبأها عند نزول جبريل بالوحي، لتقوم ساعتها بنزع حجابها، وعندما علمت باختفاء جبريل في ذات الوقت، قالت له ما ذاك إلا وحي، فالحياء صفة من صفات الملائكة وليس الجن.
وفاق صبرها الحد عندما تطلقت ابنتيها رقية وأم كلثوم بسبب الدعوة، فلم تنزعج بل فرحت ، وكان عزاؤها في ذلك هو إبدال الله لهما بزوجين أكرم عنده، وتمضي الأيام ليتحقق أمل خديجة بزواج ابنتيها من ذي النورين، عثمان بن عفان.
وتكشف الوجه الحقيقي لخديجة عندما حوصر المسلمون في شِعب أبي طالب، وعانوا الجوع وشتى صنوف الحرمان، وبرغم أنها أبدلت فراشها الوثير بأرض صلبة وهواءها العليل بشمس حارقة، لم يصدر منها أي شكوى، مستعينه على ذلك بحب الله ورسوله الكريم.
وكان لهذا الحصار في الشعب مدة ثلاث سنوات، تأثير سيئ على صحتها، إذا خرجت منه وقد أعياها المرض وأصبحت ضعيفة، لتكون جائزتها سلام من الله وبشرى ببيت من لؤلؤ لا تعب فيه.
ووافتها المنية في رمضان في العام العاشر من البعثة، لتترك الرسول وحيدا مع مشاق الدعوة وآلامها، ولتصبح سنة وفاتها عاما للحزن، اتشح فيه المسلمون بالسواد وعم قلوبهم حزن عجزوا عن احتماله، ولتخلد في قلب الرسول بعد وفاتها بثناء ما فارق لسانه بقوله "ما أبدلني الله خيرا منها".