كاميرون.. كابوس البورصة البريطانية
على عكس ما أشارت إليه كافة الاستطلاعات في بريطانيا، شهدت الانتخابات البريطانية الشهر الماضي اكتساحا غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية والانتخابية بواحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم، لحزب المحافظين البريطانيين بقيادة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بإجمالي 330 مقعدا من مقاعد مجلس العموم البالغ عددهم 650 مقعدا، متقدما على حزب العمال.
ففي حين كانت تشير عدد كبير من استطلاعات الرأي العام أن حزب العمال بقيادة إد ميليباند يستولي على 20% من التصويت في حين يقبع حزب المحافظين بثلاث نقاط خلفه، انتهت العملية الانتخابية بتشكل كاميرون الحكومة البريطانية منفرداً لأول مرة في تاريخ المملكة الموحدة منذ سبعينات القرن الماضي، لتنتهي أسطورة الحكومة الائتلافية صاحبة الأداء المتباطئ في إدارة شئون البلاد، وتطيح برؤوس زعماء ثلاثة أحزاب تقدموا باستقالتهم وهم إد ميليباند زعيم حزب العمال ونيك كليغ عن حزب الديمقراطيين الأحرار ونايغل فاراج زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة، وقد تعهد كاميرون "بتفاؤل المنتصر" هو وفريقه بقيادة الحزب باعتباره حزب أمة واحدة ومملكة متحدة واحدة في إشارة منه بفرحة من التخلص من عبء حكومة الائتلاف.
انتخابات أكهلت الدولة نحو ما يقرب من 11 مليون جنيه إسترليني، وهو حجم الإنفاقات الخاصة بالحملات الانتخابية للأحزاب المتنافسة على مقاعد المجلس منهم 4658499 جنيها إسترلينيا (6.3 ملايين يورو) الذي جمعه حزب العمال البريطاني في الحملة الانتخابية الرسمية، وجمع المحافظون 3.456 مليون جنيه (4.67 مليون يورو)، وحزب يوكيب 1.61 مليون جنيه، والليبراليون-الديموقراطيون 234 ألف جنيه في المدة نفسها.
إلا أن كثيرين يرون أن انفراد حزب المحافظين بتشكيل الحكومة سيكون له تأثير إيجابي على تسارع اتخاذ القرارات الحكومية وتمرير التشريعات بشكل أسهل، وانتهاء حالة "البرلمان المعلق" التي عانت منه الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدار قرن من الزمن، وهو ما سيئول بدوره إلى استحالة بقاء الواضع الراهن على ما هو عليه.
إلا أن أسواق المال دائما ما تشعر بالقلق حيال ما هو جديد، خشية حدوث تغيير في السياسيات الاقتصادية أو السياسية التي تؤثر بدورها على سير العمل بالأسواق وحركة البورصة وتداول العملات، وترتبط المخاوف بشكل كبير هذه المرة "وبخاصة بعد اكتساح المحافظين" باستمرار عضوية المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي.
فعلى الرغم من أنه ينظر إلى أن حزب المحافظين يفضل الأعمال، فإن التزامه بإجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي أثار قلق مجتمع الأعمال، الذي يرى فيه قيمة كبيرة كونه جزءا من أكبر الأسواق العالمية.
حيث أعلن الحزب بقيادة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في وقتاً سابق عزمه إعادة التفاوض على شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وإجراء استفتاء على بقائها به.
وأكد بعض المحللين أنه في حالة قررت بريطانيا ترك الاتحاد الأوربي قد تعاني أسواق المال البريطانية، في الوقت التي ستصاب فيه أوروبا أيضاً بالكثير، مرجعين ذلك إلي أن أوروبا هي أكبر شريك تجاري منفرد في بريطانيا، وتعد المملكة بوابة أوروبا إلى بقية العالم ومكسب كبير لثقة رجال الأعمال الأجانب بها.
ولذلك أعتبر تلك المحللين أن فوز حزب المحافظين بتلك الانتخابات وهو ما اعتبروه وقتها أنه "أمر غير مرجح" وبخاصة أذا كان الفوز يعطيهم الأغلبية وتشكيل الحكومة، اعتبروا أن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ستصبح عرضة للخطر، ومن شأن هذا أن يشكّل خطر أكبر على الأسواق المالية، فمثلما قررت اسكتلندا إجراء الاستفتاء للانفصال عن المملكة المتحدة تم القضاء على مليارات من الجنيهات الإسترليني في سوق الأسهم، مؤكدين أن النتيجة المباشرة لفوز المحافظين ستكون تراجعًا قويًا في الأسواق المحلية والتي من شأنها أن تثقل على الباوند.
ومن جانبه يعتقد بن ريدجواي، محلل فس ساكسو كابيتال ماركتس المملكة المتحدة أن التأثير على الجنيه الإسترليني يبدو مرجحًا على الجانب السلبي، بحجة "أنه من المرجح أن يعاني الإسترليني حالة من الإضراب بسبب السياسة الاقتصادية أو التصويت على عضوية الاتحاد الأوروبي تمامًا مثلما حدث وقت الاستفتاء الاسكتلندي، وسوف تجلب معها فجوة توقف عن القرارات التجارية التي تجرى والصفقات التي تمت".
وأوضح الدكتور محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين في مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، ورئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما في مقالة له بجريدة فايننشال تايمز البريطانية تحت عنوان "قلق الأسواق من أن تسفر الانتخابات البريطانية عن الشىء الخطأ"، أنه فيما يتعلق بالانتخابات البريطانية فأن الأسواق المالية أقل قلقا مما يشيع ظنه بشأن القضايا الاقتصادية التقليدية وقضايا الاتحاد الأوروبي، وما ينبغي أن تفعله بدلا من ذلك هو الوقاية من التسعير الضخم الأدنى من القيمة لمخاطر السيولة، وهى ظاهرة واضحة بالفعل قد تثبت أنها مفاضل مهم عند تقييم آثار الانتخابات، مشيراً أنه من غير المرجح أن يؤدي الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوربي إلى خروج المملكة من الاتحاد.
هذا في الوقت الذي يعيش فيه الجنيه الإسترليني فترة أقل ما يوصف بها بأنها "قوية جدًا" خلال تلك الأشهر الأخيرة، حيث ارتفع أسهمه أمام كافة العملات الرئيسية "اليورو والدولار" على خلفية الانتعاش الاقتصادي الأقوى بالمملكة، على الرغم من قراءات الناتج المحلي الإجمالي الضعيفة بالربع الأول من 2015، ويأتي هذا أيضا بعد قرار البنك المركزي الأوروبي لإطلاق التيسير الكمي QE في أوروبا والذي أبقى اليورو مستضعفًا مقابل منافسيه الرئيسيين.
وعلى الرغم من تلك التكهنات فلا يزال الباوند محافظاً على قوته بشكل عام بعد أن جاوز مستوى الـ 1.55 نقطة مقابل الدولار الأمريكي هذا الأسبوع.
ويرجح الكثير أن هناك فرصة جيدة بالسوق البريطاني في الفترة المقبلة للحفاظ على التصاعد القوي للباوند من منطلق "بيع الإشاعة وشراء الحقيقة".