فاتن حمامة.. فاتنة القلوب
قمة شهرة وصولجان فن وعرش سينما، ولدت على جبينها نجمة وعاشت وفى عينيها طموح، ومشت قدمًا تحمل رأسًا فيه عقل الدهاة، استبقت زمانها فسلبت من الأمس فرصته ومن اليوم حنكته ومن الغد مستقبله، الحياة عندها فن والفن عندها حياة وهى بين الاثنين صلة وصل بل سلسلة لا تنفصم لها حلقة، ركبت رياح المجد الأربع، لها فى كل قلب مكان تقدير ولها على كل لسان كلمة إعجاب يضرب بها الأمثلة ويقتدون بفنها على قدر ما يقتدون.
متحدثة كأشهى ما يكون الحديث، مقنعة كأحسن ما يكون الإقناع نراها تنظر الى الطريق وكأنها تتبينه وهى القادرة أن تمشى عليه مغمضة، إلا من الحذر وفى صدرها ألف أمل وفى قلبها حب واحد، من الناس من يعيش ليومه أما هى فتعيش لمئات السنين الحب عندها أنانية والفن فى شرعها كذلك، تريد أن تستحوذ على حبها وتعتقله فى سجن كما تريد أن تأخذ من الفن حبها نصيب الأسد ومادرت أن الحب له أجنحة، وأن الفن مشاع، صداقتها وعداؤها تزنهُما بميزان ٍ واحد وكثيرًا مايختلط الأمر عليها فلا تفرق بين الاثنين إلا باللمحات، طاقة ضخمة من الصبر والجلد والمثابرة، نعومة وابتسامة ولكنها تنازل الأحداث مثل «جان دارك» لا تستغيث إلا لتستنهض همة نفسها ولاتستكين إلا لتريح شجاعتها من كثرة النضال! قمة شهرة، وصولجان فن، وعرش سينما، كما وصفها الفنان عبد السلام النابلسى نجمة من نجوم الأرض.هى سيدة القصر التى رحلت وتركته خاليا من ابتسامتها وعبقها وحضورها وموهبتها الطاغية التى أسرت القلوب منذ نعومة أظفارها تركت غرفة خاوية تصفر فيها رياح الفقد والافتقاد إلى وجودها، فنانة استثنائية من جيل العباقرة اعتلت القمة ولم تبرحها حتى الرمق الأخير ومن الصعوبة بمكان أن يستطيع الإنسان أن يحتفظ بالقمة فسرعان مايفقدها عند أول منعطف أو زلة أو سوء تقدير أو اختيار، لكن فاتنة قلوبنا بألمعيتها وذكائها ودهائها امتلكت مايمكنها من التربع عليها طوال مشوارها الفنى المشرق.. ناهيكم عن ثقافتها التى أعانتها على الانتقاء المنوَّع الناجح لأدوارها السينمائية أولا والتليفزيونية أخيرا، وبرغم ابتعادها عن الشاشة فى السنوات الأخيرة، إلا أننا كنا نستشعر حضورها من خلال أعمالها التى لا نمل من مشاهدتها ومعايشتنا لكل شخصية جسدتها أمامنا، وكانت دائما تشارك قدر استطاعتها مصرنا المحروسة همومها محاولة الاضطلاع بدورٍ وطنى يشد من أزر الوطن لتؤكد من خلاله دور الفن فى مساندة الساسة جنبا إلى جنب وذاكرتنا مازالت تلمع بطلـَّتها الجميلة فى لقاء الرئيس السيسى مع نخبة من فنانى مصر وما تركته فى نفوسنا من أثر طيب لا ينسى، فهى قريبة من القلوب وإن ابتعدت عن الأنظار، وستظل تسكن القلوب التى عشقتها بابتسامتها الوضاءة التى تجسد الفرح والبهجة والألق وفنها الثمين الذى تزدان به شاشاتنا المصرية والعربية بل والعالمية أيضا، فعبقرية جيلها تتمثل فى قدرته المدهشة على الاستمرار والبقاء حتى بعد انتهاء الرحلة، فأعمالها ستخلد ذكراها ومسيرتها الفنية لن تنطفئ مهما مر الزمن وستظل خير قدوة ومثلا يحتذى لكل المواهب الصاعدة، ليتنا نبدى لمسة وفاء لها بتنظيم مهرجان يعرض أعمالها وليت دور العرض تخصص أسبوعا لعرض أفلامها أو تخصيص حفلة يوميا لعرض فيلم لها والاعلان عن جائزة فى التمثيل تحمل اسمها امتنانا لعطائها الفنى المميز وتكريما لشخصها المحترم، فهى بحق ممثلة مصرية الجنسية عالمية الأداء، وأكرر جملتى التى تمثل قناعتى: المبدعون لا يرحلون وإنما يغيـِّرون عناوينهم فقط!
مركز اللغات والترجمة-أكاديمية الفنون