القاهرة.. وأهرام القمامة
الاعتياد على القُبـح.. قـُبـح!!.. تلك المقولة أثبتت صحتها فى محيط حياتنا اليومية المُرهَقة والمرهِقة، والتى كانت «أقول كانت» تتسم بكل البهاء فى المظهر العام من ملبس وسلوكيات وتصرفات وكل ما له صِلة بالمعاملات اليومية بين الأفراد، ويستوى فى هذا كل الطبقات الاجتماعية، وكنا نشاهد هذه السلوكيات الحميدة فيما بين الجيران وفى رفقاء المواصلات العامة، وذلك بالحرص على حق الغير فى أن يجد رصيفًا يسير عليه بأمان، دون أن يعترض طريقه الباعة الجائلون وما يتبع هذا الاحتلال للأرصفة من مخلفات غير طبيعية من كل شكل ولون، أصبحت تصدم وتؤذى عين المشاهد وتجرح الأحاسيس، حتى ذبُلت خلايا الاستمتاع بالجمال داخل النفس الإنسانية، وأصبحت تلك المظاهر جزءًا لا يتجزأ من الواقع اليومى حتى اعتادت عليها «عدسة العين» فانطبعت داخلها لتصبح صورة ثابتة لا تؤثر فيها أية جماليات إن وُجدت!! ولكن.. تُرى من تقع عليه مسئولية انتشار هذا القُبح؟
أعلم أن المواطن يقع عليه العبء الأكبر فى هذا.. ولكن المواطن دافع الضرائب.. عليه أن يجد المقابل المادى الملموس من خدمات إرشادية فى المقام الأول للارتقاء بالذوق العام وللحفاظ ولو على الحد الأدنى من جمال المنظر والمظهر فى العاصمة. وفى «عام الخنازيز» أقصد العام الذى انتشرت فيه شائعة «أنفلونزا الخنازير» وكانت حملة مدبَّرة بفعل فاعل كلنا نعرفه تم القضاء على مناطق التربية لتلك الخنازير التى كانت تذهب إليها قمامة العاصمة، وكان أصحاب تلك «الزرائب» أو المقالب العمومية يقومون بفصل المواد الصلبة للاستفادة منها بإعادة تدويرها فى مصانع أهلية «فاتحة بيوت ناس!!»، والباقى يساهم فى تسمين لحوم القطيع التى يستصيغها بعض الأفراد بصرف النظر عن الديانة والملَّة ولكنها كانت خطة خبيثة لمحاولة محاربة بعض طوائف المجتمع وإخراجهم من دائرة المساهمين فى عملية نظافة العاصمة بتجارتهم الشريفة تلك. وانتهى إلى غير رجعة «عام الخنازير».
وضربت الفوضى أطنابها فى جنبات القاهرة عاصمة الجمال أو التى كانت عاصمة للجمال فى الشرق الأوسط.. وأصبحنا نسير وسط أهرامات من القمامة التى تصاحبها جيوش من الأوبئة، لتضرب أكباد البشر فى مقتل.. لنعود لننفق مئات المليارات على محاربة تلك الأمراض والأوبئة ونعود إلى لعبة «ودنك منين يا جحا؟» فى مشهد كوميدى عبثى لم تستطع مسرحيات الكاتب المسرحى «صمويل بيكيت» أن تصل إلى تصوره بهذا المشهد المرفوض فى قاهرتنا المحروسة!!.
والمقصود من طرح هذا الموضوع ليس الهدف المبتغى منه الحفاظ على جمال العاصمة ولا الذوق العام والصحة العامة والبيئة فقط، وإنما له بعد أمنى لابد أن نلفت النظر إليه فهذه التراكمات من القمامة التى تكاد تنفجر بها الصناديق وتلقى بمعظمها خارجها بمثابة سلاح فتاك نقدمه طواعية لأعداء الوطن فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخه الذى نحارب فيها الإرهاب والتى تتطلب اليقظة والحيطة والحذر لأنهم ببساطة يستغلون أية فجوة لينفذوا منها لضرب أمن المواطن المصرى فى مقتل فلا أرحب من مساحات تعج بأكياس ملقاة هنا وهناك لا يستدل على ما فى داخلها إلى أن نفاجأ بأن بعضها ليس من القمامة وإنما قنبلة موقوتة تتربص بالمارة لتفتك بهم غير عابئة بأطفال أو نساء أو شيوخ أو حتى جنود كل مهمتهم السهر على حماية الوطن.
■ مركز اللغات والترجمة أكاديمية الفنون