بين الرواية والفيلم .. ولكن ! «١-2»
دفعتنى قراءتى لرواية أحمد مراد «الفيل الأزرق» المقتبس عنها الفيلم والتى وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» إلى مشاهدة الفيلم ، فقد عددتها عودة ودعوة فى آن معاً، إلى أن تستقى السينما من ماعون النصوص الأدبية وإبداع الأدباء الذين قامت أفلام كثيرة فى العصر الذهبى للسينما المصرية -فى الزمن غير البعيد- على رواياتهم. ففى جو درامى يكشف الفيلم عالماً غريباً ـ رغم دراية المجتمع به هو عالم الأمراض النفسية، حيث يرصد حياة طبيب «يحيى/ كريم عبد العزيز» مر بعدة مشاكل فى حياته المهنية والشخصية ليجد نفسه وسط مفاجآت تقلب حياته رأساً على عقب، وتتعقد الأحداث لتكشف لنا عن أسرار مثيرة تتعلق بأبطال العمل لتزيح الستار عن جبل من الغموض ، لتتحول محاولته لاكتشاف حقيقة صديقه المكلف بعلاجه «نائل/ شريف، الذى جسده ببراعة الفنان خالد الصاوى» إلى رحلة مثيرة لاكتشاف نفسه .. أو ما تبقى منها!.
اعتدنا على رؤية الفنان كريم عبد العزيز طيلة مشواره الفنى كـ «جان» لطيف الحضور وسيم الطلّة.. غير أنه هذه المرَّة أطل علينا فى ثوبه الجديد«دكتور يحيى» الذى ألبسته الرواية إياه، مع لمسات المخرج المميَّز «مروان حامد»، فالفيلم ينطوى على كل عناصر الإبهار فى الصورة مع جودة عالية فى استخدام تقنيات جديدة نراها ربما لأول مرة فى فيلم مصرى، برع فيها المخرج لأقصى درجة ـ فى تقديرى ـ فى جذب انتباه المتفرج طيلة العرض، مع موسيقى مناسبة لهشام نزيه، حيث وظفت كل نغمة ومؤثر صوتى فى الموضع المثالى لخدمة المشهد، ولإضفاء المناخ الذى يثريه محدثاً تأثيره النفسى المراد وضع المتفرج فيه، ليعيش أجواء القصة التى لم نلتقط فيها أنفاسنا إلا أثناء الاستراحة الإجبارية للعرض، والتساؤلات تملأ الرءوس فى انتظار متلهف للوصول إلى الإجابات مع الأحداث المتبقية من العرض والتى لم تأت حتى لحظة نهايته!رصدت حالة جديدة سيطرت على المشاهدين من الاهتمام الكامل بكل تفاصيل الفيلم واستمتاع بكل خلجة من خلجات الأداء التمثيلى الرفيع المستوى والمبهر للشخصيات الرئيسية الثلاث مع أداء خاص لشيرين رضا ومحمد ممدوح . انفعالى بالفيلم كمشاهدة دفعنى إلى الإمساك بقلمى لتقديم التهنئة للمخرج مروان حامد الذى أتتبع خطواته منذ بدايته الفنية مع فيلم «لى لى». هذا الواعد الذى استطاع أن يطوِّع دراسته وأدواته وموهبته الإخراجية لعمل نقلة سينمائية فى إخراجه للفيلم مغامراً بردود الأفعال التى قد يخرج بها البعض من كون القصة تنطوى على تيمة قد يرونها من الخرافة أو السحر والشعوذة. تلك الخرافات والغرائب التى نحن فى غنى عنها فى هذه الفترة بالذات من حياتنا كمصريين، فكلنا فى حاجة إلى النهوض بالوطن بإعلاء قيمة العلم والتعلم، ليكونا حجرى الأساس لبناء المجتمع السليم، فكيف بمن يجسدون دور العلم فى الفيلم ـ الأطباء النفسيين ـ وفى مقدمتهم دكتور يحيى يقفون مكتوفى الأيدى - باستثنائه- أمام قوى الشر المتمثلة فى الشيطان نائل- شريف، ومع تصاعد أحداث الفيلم نصل إلى النهاية المحتومة وهى التأكيد على فكرة «الله»، وكيف أنه هو الخلاص والملاذ لنا جميعاً من قوى الشر التى تحيط بنا وتدخل فى كل تفاصيل حياتنا بصور مختلفة ، فالطبيب يحيى الذى يمارس كل موبقات الحياة من سُكر وعربدة ولعب الميسر وعلاقاته النسائية المحرًَّمة، تسبب باستهتاره فى حادثة سيارة أودت بحياة زوجته وابنته، التى تزوجها بعد قصة حب فاشلة مع «لبنى/نيللى كريم -الذى جسدته بنعومة» شقيقة صديقه الذى يعالجه، والتى دفعها اليأس من الاقتران بحبيبها إلى أن تقطع شرايين يدها.. فشخصيات الفيلم المحورية التعسة نفسياً تعكس جانباً من هذه الصور .... والبقية غداً.