الجماعات الإسلامية بين العنف والتوبة «2»
وحاول نفس الضابط الذى كتب لسعد الدين وهبة الرسالة المجهولة أن ينبه المسئولين إلى خطورة الموقف، فكتب روايته «يوميات ضابط فى الأرياف» شرح فيها بطريق غير مباشر كل شيء، وكل ما يحدث فى الصعيد، وحاول أن يلفت نظر الدولة إلى خطورة ما تفعله الشرطة فى الصعيد، من تعامل لا إنسانى مع المواطنين، وتخريب لزراعات القصب التى يقتاتون منها مرة فى العام.
وهى السياسة نفسها التى طبقوها فيما بعد فى سيناء، بعد تفجيرات دهب وشرم الشيخ عام 2005.
قال الضابط فى روايته إن هناك نوعاً من التعاطف الشعبى مع تلك الجماعات الإسلامية، وهو ما بدأ يلوح فى الأفق، وظهرت آثاره فيما بعد من كثرة وجود التيارات الدينية السلفية الهدامة، وكثافة انتشارها فى الصعيد، وهو ما بدا واضحاً بعد ثورة يناير 2011 أثناء المعركة مع الإرهاب فى تلك الفترة، فى الصعيد، ارتكبت الشرطة أخطاء بالغة القسوة، تحملها الناس بصبر وألم، ولكن الدولة التى كانت تعانى من الإرهاب، قدمت الضابط للمحاكمة وعصفت بمستقبله الوظيفى.
تعامل الناس مع الظاهرة الجديدة ببساطة وتلقائية، وأطاعوا الثوار الجدد، ومازال الاختلاط ممنوعاً فى المدرجات وخصصت عربات للسيدات فى بعض وسائل المواصلات، وأجبروا الدولة على ضم المساجد وصيانتها، كما أجبروها على الاهتمام بالدعاة وشئونهم وتثقيفهم والنهوض بهم، كانت الظاهرة تنمو تحت بصر الدولة، وتحولت من حمل وديع إلى وحش كاسر.
ثم تراجعت الظاهرة لأسباب شرحناها فى هذا الكتاب، وبدأ شيوخ الجماعة فى مراجعة أفكارهم، وقالوا إن قتل السادات كان خطأ، وأنهم يحتسبونه عند الله شهيداً. هل كان هذا نتيجة لتحويل مصر إلى أكبر حقل تجارب للنظريات السياسية فى العالم، منذ قيام ثورة يوليو 1952 حتى الآن.
وتطبيق نظريات متنوعة منها الماركسية والنظام الشيوعى، الاشتراكية، الاشتراكية العلمية، الاتحاد القومى، هيئة التحرير، الاتحاد الاشتراكى، تحالف قوى الشعب العامة، الحزب الواحد العلنى، تنظيم طليعى سرى يراقب التنظيم الرسمى والعلنى، فكرة الوحدة العربية، القومية العربية، المنابر، الأحزاب، تعدد الأحزاب المقنن، الرأسمالية الوطنية، الاقتصاد الحر، الأحزاب الدينية، النظام الإسلامى.
كل هذا تم فى الخمسين سنة الماضية من عمر الشعب المصرى. لأجل هذا كان من الصعب على الشعب المصرى أن يستوعب فى تلك المدة القصيرة من عمره كل تلك التجارب المتناقضة والتى شهدها جيل واحد من أجياله، والشعب فى مصر لا حول له ولا قوة فقد لاذ بالصمت، حتى تلقى وابل الرصاص من جماعات العنف، وقنابل الإخوان وتفجيراتهم، وتحولت كل أركان الدولة كلها ما بين خائف ومذعور، وكأنهم يشاهدون شريطاً سينمائياً بارع الإخراج، ولكن نتمنى أن تسير الأمور فى ظل القيادة، وتوضع مصر على أول الطريق للتحرك للأمام.
■ كاتب