رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تُجهض مخطط التهجير بالدبلوماسية الخشنة

أدارت مصر بحكمة وبراعة وحزم ملف تصفية القضية الفلسطينية، وانتبهت لدعوات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتهجير أهالى غزة إلى مصر والأردن، وأكدت رفضها القاطع لأى محاولات تمس أمنها القومى.

وتحركت القاهرة بقوة على المستويين العربى والدولى، وحشدت المواقف العربية، وأثارت الرأى العام الرسمى والشعبى، وهو ما شكل جبهة عربية وعالمية لإسقاط هذا التوجه، لتنجح دبلوماسية القاهرة المحترفة، فى إحباط ما طرحه ترامب، وأجبرته على احترام موقف الدولة المصرية، والتراجع عن مخططه.


وفى بيان لوزارة الخارجية، بتاريخ 6 فبراير 2025، حذرت القاهرة بلهجة شديدة من تداعيات تصريحات أعضاء فى حكومة الاحتلال حول «التهجير»، واصفة إياها بأنها خرق صارخ للقانون الدولى، ويستدعى المحاسبة.

البيان كان بمثابة جرس إنذار بأن مصر ترفض أى محاولات لفرض حلول قسرية وأحادية بشأن القضية الفلسطينية، معتبرًا الموقف انتهاكًا غير مقبول لحقوق الشعب الفلسطينى فى حقه التاريخى فى أرضه، فيما اعتبر أيضًا أن هذه التصورات الحمقاء لن تحظى بأى شرعية، ومصر لم ولن تكون طرفًا فى سيناريو التهجير، كما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، بأن التهجير ظلم لن نشارك فيه.

وبعثت مصر رسالة للعالم، بأن هذا المخطط سيقوض عمليات السلام فى المنطقة، وأن سياسات الاحتلال لا تهدد فقط الهدنة بين حماس وتل أبيب، بل تؤجج الصراع مجددًا، وتفتح أبواب العنف، كما وضعت القاهرة خريطة طريق واضحة لحل الدولتين، لإنهاء الأزمة المتجذرة، واستعادة الفلسطينيين لحقوقهم.

وأكد بيان الخارجية عزم الدولة على الانخراط فى جهود إعمار غزة شريطة ألا يكون هناك تهجير قسرى، ولن يسمح بإعادة رسم الواقع الديموجرافى لأى طرف على حساب الفلسطينيين، والتزام مصر بملف وقف إطلاق النار بمراحله الـ3، وهو ما تؤكد عليه الدولة وتحركاتها الدبلوماسية لوقف نزيف الدم ودعم القضية الفلسطينية، كما وضع البيان، خطًا أحمر أمام هذه المخططات، ودعا المجتمع الدولى برمته لتحمل مسئولياته، ووقف سياسة الازدواجية والكيل بمكيالين، فمصر ترى أن تصريحات الاحتلال بشأن التهجير ليست مواقف سياسية متشددة فحسب لكنها اختبار حقيقى للمجتمع الدولى وحزمه فى تطبيق القوانين الدولية، فالتهجير القسرى جريمة حرب تستوجب المحاسبة لا الصمت.

وفى الداخل الأمريكى ذاته، لم يؤيد الشارع الأمريكى دعوات «ترامب»، وواجه الرئيس - الذى وعد بإخراج واشنطن من أى حروب وإعادة أمريكا قوية- انتقادات واسعة وحادة من أعضاء الكونجرس، ومن البيت الأبيض، بل وصل الأمر لحد المطالبات بعزله بسبب تصريحاته - شبه اليومية- عن التهجير وفرض رسوم جمركية وتهديد العلاقات مع دول العالم، كما رفضت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى مقترحاته، وشكل الموقف العربى، خاصة مصر، الأردن، والسعودية، جبهة صلبة وقوية تصدت لمقترحاته.

وأثارت تصريحات ترامب غضبًا واسعًا فى الأوساط الشعبية والدبلوماسية الغربية والعربية، وواجهت رفضًا قاطعًا لأطروحات تتنافى مع قيم الإنسانية، وبعد موجة الرفض الكبير، تراجع ترامب - قد يكون بشكل مؤقت- عن دعوات التهجير.

وبجانب الموقف المصرى الرافض للتهجير، فالتوافق العربى وموقف الأردن والسعودية، كانت من أهم العوامل التى دفعت الرئيس الأمريكى للتراجع، وأصدرت مصر بيانًا آخر فى 8 فبراير 2025، كان حاسمًا وحادًا وعكس الموقف العربى الرافض لأى عبث بالأمن القومى المصرى والعربى، بعد أن دعت تل أبيب لإقامة دولة فلسطينية على الأراضى السعودية، ووصفت مصر هذه التصريحات بغير المسئولة، مؤكدة أن هذه التصريحات خرق لميثاق الأمم المتحدة وقوانين المجتمع الدولى.

الرد المصرى القوى ليس بغريب، فالعلاقات بين القاهرة والرياض قائمة على مبدأ الأمن المشترك، وأى تهديد لأمن الرياض هو تهديد واضح ومباشر لأمن القاهرة، فرسالة مصر واضحة بأنه لا تهاون مع الأمن القومى العربى وأنه خط أحمر.

ورفضت القاهرة كل محاولات الاحتلال بتمرير حلول تتجاهل الحق الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأكدت أن أى حل آخر خارج هذا الإطار هو محاولة للالتفاف على القضية الفلسطينية، وعلى تل أبيب فهم أن محاولاتها لن تغير من الأمر شيئًا.

ورغم محاولات فرض واقع جديد يبقى موقف الدبلوماسية المصرية صامدًا مستندًا لمبادئ واضحة تدعم القضية، والتصدى لأى محاولة لطمس الهوية، والدفع باتجاه حل سياسى يضمن إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين.