الجناة يعاقبون المحكمة!
فى خطوة عبثية متكررة، ومتوقعة، قام الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بالتوقيع على أمر تنفيذى يقضى بفرض عقوبات على «المحكمة الجنائية الدولية»، شملت حظر دخول قضاتها ومسئوليها وموظفيها وكل عناصرها وأقربائهم، إلى الولايات المتحدة وتجميد أصولهم فيها. وهو ما رأته الأمم المتحدة محاولة لـ«توسيع ظاهرة الإفلات من العقاب»، كما رأى أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبى، أنه يهدّد استقلالية المحكمة، ويقوّض منظومة العدالة الدولية إجمالًا.
فى الأمر التنفيذى، اتهم الرئيس الأمريكى المحكمة بـ«القيام بأعمال غير مشروعة تستهدف الولايات المتحدة وحليفتها الوثيقة إسرائيل»، وخلق «تكافؤ أخلاقى مخزٍ» بين الأخيرة وحركة «حماس»، و... و... وبينما اكتفت المحكمة بالتنديد بالعقوبات، وتعهدت، فى بيان، بأن تقف بحزم إلى جانب قضاتها وموظفيها، وبـ«مواصلة توفير العدالة والأمل لملايين الضحايا الأبرياء فى مختلف أنحاء العالم»، ذكرت جريدة الـ«جارديان»، فى افتتاحيتها، أمس السبت، أن القانون الوحيد الذى يعرفه ترامب هو «قانون الغاب»، مشيرة إلى أنه سبق أن أصدر مثل هذه العقوبات، خلال فترته الرئاسية الأولى، لكنها وصفت هذه المرة بـ«الأكبر والأخطر»؛ لأنها تصيب أسس المحكمة وتهدد قدرتها على أداء وظيفتها.
المحكمة، التى يقع مقرها فى مدينة لاهاى الهولندية، كانت قد أصدرت فى ٢١ نوفمبر الماضى ثلاث مذكرات اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، ووزير دفاعه السابق، يوآف جالانت، ومحمد دياب إبراهيم، المعروف باسم «محمد الضيف»، القائد العسكرى لحركة «حماس»، وقالت إنها وجدت أسبابًا وجيهة لاتهامهم بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب». ووقتها، تعهّد مايك والتز، مرشح ترامب لمنصب مستشار الأمن القومى، بـ«رد قوى» فى يناير، على ما وصفه بتحيز المحكمة والأمم المتحدة ضد السامية، كما سبق أن هددت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، قضاة المحكمة، بملاحقتهم وفرض عقوبات عليهم، حال قيامهم بتوجيه اتهامات إلى أمريكيين أو إسرائيليين. وبالفعل، قامت إدارة ترامب السابقة، فى سبتمبر ٢٠٢٠، بفرض عقوبات على المدعية العامة السابقة وكبار مسئولى المحكمة.
المهم، هو أن قائمة المتهمين كانت تضم، أيضًا، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس»، الذى تم اغتياله، أواخر يوليو الماضى، بالعاصمة الإيرانية طهران، ويحيى السنوار، الذى تولى قيادة الحركة، حتى اغتاله جيش الاحتلال، فى أكتوبر الماضى، ولو عدت إلى البيان الصادر عن مكتب رئيس المحكمة الجنائية الدولية، فى ٢٠ مايو الماضى، فور قيامه بتقديم طلبات للدائرة التمهيدية بالمحكمة، لإصدار مذكرات الاعتقال الخمس، ستجده يتهم نتنياهو وجالانت بارتكاب جرائم «التجويع» و«القتل العمد» و«الإبادة أو القتل»، و... و... و«أفعال أخرى غير إنسانية»، ويتهم، أيضًا، قادة «حماس» الثلاثة، هنية والسنوار والضيف، بارتكاب جرائم «الإبادة» و«الاغتصاب» و«العنف الجنسى» و«احتجاز رهائن»، و«المعاملة الوحشية» و«الاعتداء على الكرامة الإنسانية»، و... و... وغيرها.
وقتها، أى فى ٢٠ مايو الماضى، قالت حركة حماس إنها تعد مذكرة قانونية ترد فيها على هذه الاتهامات الباطلة، ووصفت بيان «خان» بأنه «ملىء بالمغالطات والأخطاء، والانحياز لصالح دولة الاحتلال، التى تمارس الإبادة الجماعية ضد شعبنا فى غزة، بالإضافة إلى جرائم جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين فى الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة». كما رآه رئيس الوزراء الإسرائيلى أشبه بمساواة الرئيس بوش وأسامة بن لادن، بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، أو بين فرانكلين روزفلت وأدولف هتلر، خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد أن أعلن، فى بيان، عن أنه يرفض «باشمئزاز» هذا الطلب، أضاف مخاطبًا المدعى العام للمحكمة: «بأى وقاحة تتجرأ على تشبيه وحوش حماس بجنود الجيش الأكثر أخلاقية فى العالم؟».
.. وتبقى الإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية، التى تأسست فى أول يوليو ٢٠٠٢، بدخول «نظام روما الأساسى» حيز التنفيذ، موءودة، أمريكيًا، منذ ولادتها، بقانون «حماية رجال الخدمة المدنية»، المعروف باسم «قانون غزو لاهاى»، الذى