رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايتى مع الكتابة «4»

خلال وجودى فى مجلة «صباح الخير» تعرفت على اثنين من أهم الوجوه الثقافية فى مصر الآن، الناقد عصام زكريا، ورسام الكاريكاتير عمرو سليم.. وقد كانا وقتها من أهم أعمدة مجلة «روزاليوسف»، المجلة الأم أو على الأقل الأخت الكبرى لـ«صباح الخير».

كان عصام زكريا يرأس قسم الترجمة، وكنت أتابع بشغف ما يترجمه عن صناعة السينما فى العالم، وأغبطه على عمق وسعة معرفته بتاريخ السينما العالمية ونجومها ومهرجاناتها، وأستشيره فى ترجمة أسماء بعض الأفلام والمخرجين، رغم أنه لم يكن وقتها شخصًا منفتحًا أو ودودًا بشكل كبير، فهو يجيب عن الاستيضاح بالقطارة أو بغمغمة مبهمة أو بسؤال، كنت أراها وقتها نوعًا من البخل المعرفى وعدم رغبة فى مد العون والمساعدة للمبتدئين، وله كل الحق فى تعامله الحذر مع الكم الكبير من جهلى وسذاجتى المغلفين بشغف وفضول أمام عالم مفهوم ومعروف وواضح بالنسبة له، ولكنه لم ينكر أن دأبى وجديتى ما زالا خير شفيع لى عند كل من تعاملوا معى. وقد استمرت متابعتى لنشاط عصام زكريا عبر الجرائد المختلفة التى عمل بها وتوليه إدارة مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية ومهرجان القاهرة السينمائى، وقد صار الآن أكثر رحابة، وإن كان ما زال معظم الوقت سارحًا فى الملكوت. 

تعرفت أيضًا على رسام الكاريكاتير عمرو سليم، وهو إنسان شديد التهذيب، وكنت أضحك عندما أطلع على كاريكاتيره الساخن، وأقول له إن لديه «inner»، ومعناها أن لديه عفريتًا داخليًا أو أنه «مخاوى»، فما يكتبه من تعليقات جريئة، سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا، فى رسومه لا يتناسب مع هدوئه، ودماثة خلقه، وقد علمتنى الأيام أن الأكثر هدوءًا قد يكونون الأكثر فاعلية وثورية. 

منذ سنوات قد تقارب العشرين لم أتواصل مع عمرو سليم، وقد ذكرتنى هذه الكتابة برسومه الرائقة وخطوطه الرشيقة وتعليقاته الحادة والصائبة كطلقة رصاص. وقطعًا سأحاول التواصل معه وأرى ماذا فعلت الأيام بسخريته. 

من الشخصيات المهمة فى «صباح الخير» والتى استمر تواصلى معها الفنان التشكيلى الراحل إبراهيم عبدالملاك، وكنت معجبة بتماثيله ولوحاته، خصوصًا أعماله عن المرأة التى قدمها فى سلسلة معارض بعنوان «سنوات الحب»، وظللت أحرص على متابعة أعماله والتعلم من مقالاته وتصوير معارضه فى برنامج «ألو ART» الذى قدمت تقاريره الخارجية من ١٩٩٨-٢٠٠٣، وبرنامج «من القاهرة» الذى قدمته فيما بعد. 

تعلمت الكثير من تدربى فى مجلة «صباح الخير»، وتشعب الكتابة عن بدايات تجربتى مع الكتابة والبحث عن إجابة السؤال العالق فى ذهنى: لماذا لم أكتب قصصًا فى فترة الجامعة وبعد تخرجى، يحتاج لتأمل كبير واسترجاع فى الذاكرة. 

قد تكون من عواملها الخفية التى أحاول كشف حقيقتها وأنا أكتب الآن: رفض أبى ومعارضة عائلتى لدراستى الإعلام، وتفضيلهم دخولى كلية الصيدلة أو الهندسة بعد أن فاتنى دخول كلية الطب بفرق درجات قليلة. فككل المصريين المتفوقين من أبناء جيلى الذين يختارون الدراسة العلمية فى المرحلة الثانوية يكون طموحهم الالتحاق بالكليات الطبية أو كلية الهندسة. ويبدو أن شغفى بدراسة الطب نبع من مشاعر إنسانية متعلقة بنبل المهنة وقدرة الطبيب على مداواة الآلام، وفكرة الطبيب الحكيم، صاحب الرسالة، ودار فى خاطرى أنى سأكون طبيبة وكاتبة مثل النموذج الأعلى دكتور يوسف إدريس، وقد ساهمت قصته «نظرة»، التى تضمنها منهج الأدب والبلاغة فى الصف الثالث الثانوى، فى تأطير نموذج يوسف إدريس فى ذهنى كطبيب وكاتب قصة قصيرة، حتى إننى ظللت بعد نشر قصصى القصيرة فى مجلة أدب ونقد أتصور أننى سأكون كاتبة للقصة القصيرة فحسب ولن أكتب رواية. 

لا أدرى فى أى لحظة قررت دخول كلية الإعلام، فلم يكن فى حسبانى أبدًا دراسة الإعلام، وقد يبدو هذا تناقضًا كبيرًا مع كونى ظللت أطمح للعمل الإذاعى طوال فترات طفولتى ومراهقتى وظللت المسئولة عن الإذاعة المدرسية طوال المراحل التعليمية قبل الجامعية.. 

يبدو أننى كنت فى حالة غفلة كبيرة أو لنقل فى «حالة سبات وعى شتوية» احتاجت لسنوات حتى يكشف الحجر عن تمثاله.

وللحكايات بقية..