رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل إلى أجيال بنى صهيون الجديدة

إذا كان وهم القوة قد استولى على قادة الكيان الصهيونى، نتيجة انتصارات زائفة يعتقدون أنهم حققوها فى الفترة الماضية، أو من خلال التوسع فى قتل الأبرياء العُزل، أو حتى نتيجة الدعم اللامحدود الذى يتلقونه من الولايات المتحدة والغرب، فعليهم إعادة النظر فى ذاكرتهم والعودة إلى الوراء قليلًا، عليهم أن يراجعوا تاريخهم الذى اعترف به كبار قادتهم السابقين، ممن أدركوا حقيقة بطولات الجيش المصرى، التى كبّدتهم خسائر فادحة لم يكونوا يتوقعونها، وأفاقتهم من نشوة انتصار يونيو  «الوهمى - المؤقت»، الذى حققوه فى غفلة من الزمن، لكنه لم يدم طويلًا، إذ سرعان ما بدأت العمليات المصرية تتوغل فى عمق الأراضى المحتلة، وتضرب بقوة داخل صفوف جيشهم الذى لطالما ادعوا أنه «لا يُقهر».  
على الأجيال الجديدة فى الكيان الصهيونى أن تعود إلى تسجيلات قادتهم العسكريين خلال حرب أكتوبر 1973 وخلال حرب الألف يوم المعروفة بحرب الاستنزاف، ليستمعوا إلى صرخاتهم عبر أجهزة اللاسلكى وهم يطلبون النجدة، فلا يأتيهم أى رد. 
عليهم أن يدركوا أن دولتهم، التى قامت على اغتصاب أرض فلسطين، حاولت الاعتداء على أرض مصر، لكن الرد المصرى كان سريعًا وحاسمًا. لم يخف المصريون، ولم يستسلموا، بل اعتبروا الوجود الصهيونى على أرضهم فرصة للانتقام وعبرة لمن لا يعتبر.  
علموا أبناءكم تاريخ حروبهم مع المصريين، وعن جثث جنودهم التى كانت تتناثر على أرض سيناء بعد كل محاولة فاشلة لاختراق الدفاعات المصرية، أخبروهم كيف كان أقل ما يقدمه المصريون هو أرواحهم، وأغلى ما يحافظون عليه هو حبة الرمل الطاهرة من ترابهم المقدس.  
على كبار قادتهم، وشيوخهم، وأراملهم أن يرووا لأبنائهم كيف قُتل آباؤهم وهم يحاولون اغتصاب أرض ليست أرضهم، وكيف فشلوا فى الاحتفاظ بها رغم الدعم الغربى والأمريكى، ورغم امتلاكهم أحدث الأسلحة فى ذلك الوقت، بل وكيف انهارت أسطورتهم الكبرى التى سموها  خط بارليف، ذلك الحصن الذى أوهمهم بالقوة المطلقة، لكنه سقط أمام عبقرية الهندسة العسكرية المصرية، وتحطم خلال ساعات قليلة، كأنه بيت من العنكبوت أمام خراطيم المياه التى مزقته.  
على الأجيال الصهيونية أن تسأل من تبقى حيًا من أجدادهم الذين حاولوا البقاء على أرض سيناء: لماذا كان الجيش المصرى يكافئ من يأتى بأسير صهيونى حيًا؟ لن يصارحوهم بالحقيقة كاملة، لكن الواقع كان مريرًا، فقد أدرك العدو أن الجندى المصرى لا يرحم من يتجرأ على ترابه الوطنى، وكان الجنود المصريون يقتصون لمن سالت دماؤهم، فيقتلعون عيون من يقع فى أيديهم ويقطعون آذانهم وأنوفهم، فى رسالة واضحة أن أرض مصر ليست مباحة لأى محتل.  
إن كان الجيل الصهيونى الجديد قد غُرر به ليصدق أنه يعيش فى دولة آمنة وقوية، فعليه أن يفتح عينيه على الحقيقة، فالتاريخ لا يرحم، وسجلات الحروب تشهد أن مصر لم ولن تكون ساحة مستباحة لأى معتدٍ. من يتجاهل الدروس السابقة، سيعيد التاريخ نفسه، ولكن بثمن أفدح مما يتخيلون.