رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تحقق فى انتشار شائعات السوشيال ميديا: إثارة البلبلة بـ«لايك وشير»

السوشيال ميديا
السوشيال ميديا

انتشرت فى الأونة الأخيرة شائعات عديدة أثارت الرعب فى نفوس المصريين، بداية من «خطف أطفال وقتلهم لبيع أعضائهم»، و«اختفاء فتيات بعد تعرضهن للتخدير والخطف»، وهو ما نفت وزارة الداخلية صحته أكثر من مرة.

وأكدت «الداخلية»، فى توضيحاتها المتواصلة بشأن هذه الشائعات، أن الهدف منها تحقيق مشاهدات وإعجابات لزيادة المتابعين وجنى الأرباح على حساب أمن المواطنين وإثارة الذعر بينهم، داعية إلى عدم الانسياق وراء هذه الشائعات، والحرص على التحقق من صحة المعلومات قبل تداولها.

«الدستور» تستطلع فى السطور التالية آراء خبراء أمن وقانونيين حول خطورة هذه الجريمة، وتأثيرها على المجتمع، والعقوبة المقررة لها قانونًا، وذلك لتوضيح دور الشائعات فى هدم المجتمع وإثارة البلبلة بين المواطنين.

خبير أمنى: من «الحروب النفسية».. وتنتشر مع التوترات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية

البداية مع اللواء رأفت الشرقاوى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، الذى قال إن الآونة الأخيرة تشهد ظاهرة بين المواطنين، تستهدف كسب المال والشهرة بأى طريقة، مع اتخاذ شعار «الغاية تبرر الوسيلة» هدفًا للوصول إلى أغراضهم، دون حساب العواقب الوخيمة التى تترتب عليها هذه الأفعال.

وأضاف «الشرقاوى»: «من بين هذه الأفعال السيئة السعى لتحقيق المكاسب المادية والشهرة وركوب (الترند)، بهدف تزايد نسب المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعى، حتى لو كان ذلك بنشر أخبار كاذبة تخص فردًا أو جماعة أو مؤسسة أو دولة».

وواصل مساعد وزير الداخلية الأسبق: «الشائعات من الظواهر الاجتماعية الخطيرة، المنتشرة فى المجتمعات المختلفة، وتعد من قبيل الحروب النفسية، وهى تنتشر فى ظل التوترات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتسعى لتحقيق مستهدفات مُطلقِيها ومروجيها فى تضليل الرأى العام، وإثارة الفتن، وشق الصف المجتمعى، وتؤسس لحالات من عدم الاستقرار والاضطراب، وشحن الوضع الداخلى، وتتسم بسرعة انتشارها، خاصة فى عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى».

وأكمل: «الساحة المصرية، على مر الأوقات، خاصة فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والإطاحة بنظام الإخوان الإرهابى، شهدت العديد من الشائعات، التى تطلقها قوى خارجية وعملاؤها فى الداخل، وتمتد لتشمل المجالات الصحية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وغيرها الكثير من المجالات، وتستهدف تحقيق أهداف مطلقيها فى زعزعة استقرار المجتمع».

وكشف «الشرقاوى» عن الدوافع المحرِكة لإطلاق الشائعات، مشيرًا إلى تعددها وفقًا للغرض من إطلاق وترويج الشائعة، ما بين فردية شخصية، إلى عمدية مدبرة من أجهزة وتنظيمات، داخلية كانت أو خارجية.

وأوضح أن «من أخص هذه الدوافع التلهف والفضول إلى المعرفة والبحث عن الحقائق، دون النظر إلى مدى جدية ومصداقية مصادر المعلومات، لزعزعة الاستقرار والحالة الأمنية، وتضليل الرأى العام، إلى جانب استمالة جمهور المتابعين لوسائل الإعلام عن طريق نشر أخبار ومعلومات، أيًا كانت صحة مصدرها، بقصد زيادة التوزيع أو نسب المشاهدة والمتابعة لتلك الوسائل الإعلامية».

ونبه إلى أن «تمكين الشائعات من الرأى العام، وإحداث التأثير المنشود فيه، يستلزمان توافر سمات فى تلك الشائعات، منها البساطة والوضوح، فالشائعات البسيطة سهلة الفهم تكون أكثر قابلية للانتشار، إلى جانب انتشار شائعات من مصادر غير موثوقة أو مجهولة، ويصعب دحضها أو التحقق من صحتها».

وأضاف: «تتسم الشائعات بقدرتها على الانتشار والاستطراق، كنتيجة لميل الناس إلى التأثر بآراء المحيطين بهم، فقد يتبنى آخرون هذه الآراء لمجرد أنهم سمعوها من شخص مقرب أو موثوق به لديهم. كما أن الشائعات تنتشر على أوسع نطاق وبسرعة شديدة، من خلال منصات التواصل الاجتماعى، مثل فيسبوك وإكس وواتساب وغيرها».

وواصل: «تنشط الشائعات وتنتشر فى أوقات الأزمات أو الأحداث الكبيرة، وتؤثر فى الرأى العام، إذ تدفع تلك الأحداث الناس للبحث عن تفسيرات أو معلومات، فى ظل ندرة وغموض الأخبار المتناولة لها».

قانونيون: من سلبيات التكنولوجيا.. وعقوبة مرتكبها قد تصل إلى السجن 5 سنوات

أكد خبراء قانونيون أن «هوس السوشيال ميديا» قد يدفع أشخاصًا لاختلاق أحداث وإطلاق «ترند» لجنى الأموال وتحقيق المشاهدات بهدف الشهرة والثراء، ما قد يدفعهم لنشر خبر كاذب أو معلومة غير حقيقية، يكون لهما تأثير سلبى على المجتمع، دون وعى أو دراية.

وقال الخطيب محمد، الخبير القانونى، إن مواقع التواصل الاجتماعى بيئة خصبة لارتكاب العديد من الجرائم، خاصة جريمة نشر وترويج أخبار كاذبة، وفى كثير من الأحيان يكون هدف الفاعل هو جنى الأرباح من وراء ذلك، عن طريق جمع عدد كبير من المشاهدات، مضيفًا: «أيًا كان الهدف من هذا الفعل، فإنه يؤثر بشكل سلبى على المجتمع، وصولًا إلى تأثيره على الوضع الاقتصادى والأمنى للدولة ككل»

وكشف عن تصدى قانون العقوبات لنشر الأخبار أو البيانات الكاذبة ونسبها للغير بهدف تكدير السلم العام، مشيرًا إلى أن المادة ١٨٨ من القانون تعاقب مرتكب ذلك الفعل بالحبس سنة وغرامة تصل إلى ٢٠ ألف جنيه. وعند نشر شائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية فى الدولة أو هيبتها واعتبارها، يُعاقب مَن فعل ذلك بالحبس من ٦ أشهر إلى ٥ سنوات، وفقًا لنص المادة ٨٠ د».

أما الدكتور وليد وهبة، أستاذ القانون الجنائى، فقال إن انتشار الجرائم المعلوماتية أو الإلكترونية من أكبر السلبيات التى خلفتها الثورة المعلوماتية، لأنها تشمل اعتداءات جوهرية تخص الأفراد والمؤسسات وحتى الدول، فى نواحى الحياة كافة.

وأضاف «وهبة»: «هناك من يختلق أحداثًا أو يروج لفيديوهات غير حقيقية بهدف جنى الأموال، وهذه تعتبر وقائع نصب، لأن الهدف منها الحصول على المال، ويدخل فى نطاقها إجراء تعديلات على النصوص، ومشاركة تلك المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعى، ما يخلق نوعًا من القلق لدى المواطنين».

وواصل: «هنا لابد من مواجهة تلك الظواهر عن طريق التشريعات العقابية المغلّظة، ونشر الحقائق، والاستعانة بالقادة لتوضيح المعلومات وطرح الأفكار، بهدف خلق نوع من الثقة لدى الجماهير فى المسئولين وأدائهم، وهو أمر يمنع ظهور الشائعات والأخبار الزائفة».

استشارى:  «سباق الترند» وراء انتشارها.. وصاحبها عديم المسئولية و«مريض نفسى»

حذر الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، من خطورة لجوء بعض الشباب إلى الاستعراض على «السوشيال ميديا»، وسط سباق محموم على «الترند»، لتحقيق تفاعلات ومشاهدات عالية، حتى لو على حساب المصداقية، ما يعود إلى عوامل عدة أهمها نمط الشخصية.

وأوضح «هندى» أن «هناك الشخصية الهستيرية، التى تتسم بالمباهاة وجذب الانتباه من قبل الآخرين وحب الظهور والأخبار المثيرة، فهى شخصية مسرحية تتسم بالقابلية للمبالغة والكذب».

وأضاف: «هناك شخصية البارانويا وجنون العظمة، وصاحبها يريد الشعور بأنه حديث المدينة، حتى لو كذب وخدع ونشر غير الحقيقة، وصولًا إلى الشخصية المتمردة، التى تكون (ماشية عكس الاتجاه)، ودائمًا ما يظهر صاحبها على أنه ناقد وساخر، ومع كونه شخصًا خجولًا ولديه نوع من القلق الاجتماعى، يلجأ إلى ترندات السوشيال ميديا، للقضاء على مشاعر القلق التى تنتابه، والحصول على إشادات».

وواصل: «الشخص المولع بالترند يعانى من فراغ نفسى وعاطفى، وغياب الدفء والرقابة الأسرية، وهو مصاب بهشاشة نفسية، ومعاناة على أرض الواقع، ونبذ اجتماعى. كما أن هناك من يصاب بهوس الشهرة ويلهث وراءها، حتى لو ارتكب شيئًا مخالفًا للأعراف والقانون».

وأكمل: «هناك من يختلق تلك الفيديوهات والأحداث من أجل الحصول على الربح المادى والثراء السريع، من خلال اللايكات والإعلانات، لذا نجد أن كل من هب ودب لديه قناة على المنصات الرقمية، فالجميع منذ معرفتهم بأن تلك الفيديوهات تحقق ربحًا أصبحوا يتسابقون عليها، دون وعى بأن الترند فتنة نائمة لعن الله من يوقظها. كما أن بعض الأشخاص يريدون لفت الأنظار لشعورهم بالدونية».

وأكد استشارى الصحة النفسية أن مواقع التواصل الاجتماعى لها دور فى نشر الشائعات بنسبة تصل إلى ٨٠٪، وهذا مؤشر خطير، مشيرًا إلى ظهور قرابة ٦٥ مليون شائعة عن فيروس «كورونا»، فى فترة لا تتعدى ٣ أشهر، ومن خلال وسيلة تواصل واحدة هى «واتساب».

وأضاف «الشائعة فيها ٣٠٪ من الحقيقة والباقى زيف وكذب، وهناك عدة تصنيفات للشائعات والأخبار الزائفة، منها الشائعة الزائفة التى تُروَج ببطء حتى يصدقها الناس، وشائعة العنف التى تنتشر كالنار فى الهشيم، والشائعات التى تستهدف العواطف مثل شائعات الدين والعرض والجنس، والشائعة المستهدفة التى تستهدف شخصيات بعينها من حين إلى آخر».

ونبه إلى أن مروج الشائعة شخصية تتسم بالذكاء والقدرة على التعبير، وتوظيف اللغة وحركات الجسد، كما أنه يكون شخصية متملقة ساعية إلى الوصول، ما يدفعه لترويج الشائعة من أجل اكتساب المكانة وثقة الناس، فضلًا عن كونه شخصًا مُدعيًا المعرفة، وغير أخلاقى ومنعدم الضمير.

وأضاف: «هو أيضًا شخص لا يشعر بالوفاء والولاء لأى جماعة، وطموح وأنانى، ولا تقف أمامه أى اعتبارات، ولديه تبلد فى المشاعر، ولا يهمه تأثير تلك المعلومة غير الحقيقية، ويستطيع خداع الآخرين بسهولة، ويشعر بالراحة والاسترخاء بعد فعل ذلك، دون إدراك أن الفتنة أشد من القتل».

وأتم «مروج الشائعات شخص لا يملك أى شعور بالمسئولية، ولا يشعر بالعار من أى مواقف، على عكس متلقى الشائعة، الذى يتسم بضعف الثقة فى النفس، وكونه شخصية قلوقة سلبية اعتمادية تتسم بمسايرة الآخرين، وأنها شغوفة بالمعرفة، وتميل إلى التجريب ومحاولة الشعور بالذات».