رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجولانى بثوب كوشنر.. حلة جديدة لصفقة القرن!


مع وصول ترامب للرئاسة الأمريكية مجددًا، وبالتزامن مع حرب دولة الاحتلال الإسرائيلى على جبهات عدة، بدأت بغزة ووصلت إلى تغيير نظام الحكم فى سوريا، وما زالت النهاية لم تكتب بعد للحرب، التى تحولت من رد الاعتبار بعد عملية طوفان الأقصى إلى حرب وجود وتغيير لشكل المنطقة بمساندة أمريكية وعالمية لم تحدث من قبل.
هنا يجب التركيز على أمر هام أن ما حدث فى سوريا ليس بمعزل عن المخططات الصهيونية لتغيير شكل وملامح الشرق الأوسط الجديد «المصطلح الذى تردد كثيرًا مؤخرًا»، سواء كنا متفقين أو مختلفين مع النظام السورى السابق، وهو ما أكد عليه رئيس الكيان نتنياهو فى كثير من المناسبات، ووضح جليًا بعد احتلال جيش الاحتلال لجبل الشيخ بسوريا والعديد من المناطق القريبة من الجولان المحتل، وصولًا إلى ريف دمشق.
وهنا لا بد من التوقف عند دراسة أعدتها مؤسسة «جيمس تاون الأمريكية» تفيد بأن أمير هيئة تحرير الشام، أبومحمد الجولانى سابقًا، والذى أصبح «أحمد الشرع» بعد إسقاط نظام الأسد، عمل لسنوات عدة على إعادة تسويق جماعته كحركة وطنية سورية معارضة للحكومة السورية، محاولًا الابتعاد بالجماعة عن أصولها القاعدية التى كانت محورًا رئيسًا للجماعات الإرهابية وممثلًا رسميًا لها فى سوريا منذ عام 2011.
الدراسة كشفت عن تعاون مسبق حدث بين الجولانى والولايات المتحدة، ما أدى للقضاء على خليفة داعش الثانى أبوإبراهيم الهاشمى القرشى وغيره من قادة التنظيم، الذين اتخذوا من شمال غرب سوريا ملاذًا لهم، ليكون الممثل الوحيد هناك وفق اتفاقات حدثت فى الخفاء وبدأت تتضح ملامحها الآن.
وهذا يؤكد أن التعاون بين الجولانى والولايات المتحدة أصبح علنيًا، لكن هل يمكن أن يتم إلا بالتنسيق مع تركيا؛ باعتبارها دولة تبنت هذا التنظيم منذ نشأته؟!.
ما يجعلنا نصل لخلاصة مفادها؛ أن المفاوضات السورية مع تركيا ستكون طويلة ومعقدة وسيعمل الجانب الأمريكى على بلورتها بما يتناسب مع الشكل الجديد للشرق الأوسط وتحويل الدولة السورية الجديدة لنقطة ارتكاز لهذا المشروع، الذى بدأ منذ ولاية ترامب الأولى.
وعليه، يتبين تباعًا أن ما يدور من أحداث متسارعة فى الشرق الأوسط مدروس ومبنى على أسس صفقة القرن التى كان مهندسها الأول وذراع ترامب فى هذا الملف صهره جاريد كوشنر، لكن اليوم تعود صفقة القرن بحلة جديدة وبلاعبين جدد وبمسمى جديد «الشرق الأوسط الجديد»، وربما يكون الجولانى الإرهابى بحسب التصنيف السابق للولايات المتحدة اللاعب الأهم والمهندس الجديد للصفقة.
الجولانى ابن القاعدة، والذى ولد رسميًا كاسم جهادى، بعد غزو العراق وبعد أن اعتقل فى سجن أبوغريب الشهير، الذى من أجل المفارقة يعد نقطة البداية الحقيقية وتاريخ الميلاد للعديد من الإرهابيين، الذين كان لهم حضور دموى فى المنطقة بعد ذلك، أمثال أبوبكر البغدادى وأبومصعب الزرقاوى وآخرهم الجولانى، والعديد والعديد من قادة التنظيمات التى يطلق عليها إسلامية، على حد تعبيرهم.
ومن أشكال الشرق الأوسط الجديد رفع روسيا يدها عن سوريا ونظامها، فهل كانت خسارة للدب الروسى أم أمرًا مدروسًا ومتوافقًا عليه؟ الحقيقة أن روسيا لم تخسر أبدًا، فالمتابع للشأن الروسى يعلم أن الروس أصبح وجودهم فى سوريا مكلفًا، ولن يعود عليها بالنفع السابق؛ وعليه تم التوافق بين الروس والأتراك على توزيع جديد للأدوار، حيث توسع تركيا نفوذها وامتدادها داخل الأراضى السورية على حساب الوجود الروسى، بالمقابل يتم فتح أفق جديد للروس فى قارة إفريقيا، عبر نقل قواتها ومعداتها إلى ليبيا التى تعد أهدأ نسبيًا من سوريا، وفيها ما فيها من المكاسب الاقتصادية وتعزيز الوجود داخل القارة السمراء، وهذا بالنسبة للروس مكسب وذو تكاليف أقل من الوجود داخل دولة تعيش حالة من عدم الاستقرار منذ عقد ونيف من الزمن.
وبغض النظر عن النفوذ والامتدادات الجديدة لشكل الدولة السورية، لا شك أن الكاسب الأكبر هو دولة الاحتلال، التى تخلصت من إزعاجات التحالفات الإيرانية تباعًا، حيث تم تحجيم قدرات حزب الله وتحديد أماكن وجودهم بعد حرب أفقدت الأخير الكثير من القدرات المادية والمعنوية، وكبح جماح المقاومة الغزاوية بحرب شرسة وغاشمة منذ أكثر من عام، وإسقاط نظام الأسد الذى يعد الحليف الاستراتيجى لإيران بوابتها لإمداد وتعزيز قدرات حزب الله، ما يؤكد أن كل ما حدث صب ضمنيًا فى مصلحة دولة الاحتلال وأكسبها المزيد من الثقل على أرض الواقع رغم ما خسرته ماديًا وبشريًا.
والآن لا نعلم ما إذا كان المخطط الأمريكى اكتفى بهذا الحد من التغيرات فى شكل الشرق الأوسط، والتجديد المنشود، أم ما زال فى جعبة أبناء العم سام المزيد من المفاجآت، وهو أمر محتمل، لا سيما فى العراق واليمن، الذى- وبحسب الكثير من التسريبات- أن الحكومة الإسرائيلية بصدد الجوء إلى ترامب؛ من أجل وضع حد لوجود الميليشيات التابعة لإيران فيها، من خلال ضربات مركزة من شأنها إضعاف القوة لتلك الأذرع لمحور المقاومة، أو من خلال شن حرب موسعة بتحشيد دولى، وهو ما يجرى التخطيط له، وسيكون على طاولة ترامب فور وصوله للبيت الأبيض بشكل رسمى.