جول جمال
نشأتُ فى حى شبرا، وكانت مدرستى الابتدائية فى وسط مجمع مدرسى يشتمل على عدة مدارس، كان اسم مدرستى هو «مدرسة الشهيد جواد علىّ حسنى»، وعرفت أن هذا اسم أحد شهداء المقاومة الشعبية أثناء العدوان الثلاثى على مصر فى عام ١٩٥٦. وكانت المدرسة الملاصقة لها هى مدرسة «الشهيد جول جمال»، وتجاورها مدرسة «الشهيد جلال الدسوقى». وبفضول طفل فى السابعة من عمره رحت أسأل مُعلمتى، «أبلة فايزة عريان»، عن هذا الاسم الغريب بعض الشىء على أُذنى: من هو الشهيد «جول جمال»؟
أخبرتنى معلمتى بأن المدرسة الملاصقة لنا أُطلِق عليها اسم «الشهيد جول جمال» تخليدًا لذكرى البطل السورى جول جمال الذى استُشهِد أثناء أحداث حرب ١٩٥٦، فى معركة البرلس البحرية، بالقرب من بورسعيد. وراحت مُعلمتى تسترسل فى الحديث، تحت إلحاح فضولنا عن المزيد من المعلومات، كيف يستشهد بطل سورى فى المياه البحرية المصرية؟
أسهبت مُعلمتى فى الشرح: البطل جول جمال كان طالبًا سوريًا مبعوثًا للدراسة فى الكلية البحرية المصرية، ضمن فوج من الطلاب السوريين تعهدت مصر باستقبالهم فى الكلية البحرية لتخريج دفعة من الضباط السوريين؛ دعمًا للبحرية السورية المهددة آنذاك من جانب البحرية الإسرائيلية. تخرَّج بالفعل جول جمال مع رفاقه السوريين، ولكن قبل عودتهم إلى سوريا اندلعت حرب ١٩٥٦، وأصر الضباط السوريون على البقاء فى مصر، والمشاركة فى الدفاع عن مصر.
وحكت لنا مُعلمتى قصة استشهاد جول جمال، وكيف اشترك مع البحرية المصرية فى التعامل مع بارجة فرنسية معادية؛ إذ كانت فرنسا أحد أطراف العدوان الثلاثى آنذاك، بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
روت لنا مُعلمتى أن البطل جول جمال قام بعملية انتحارية من خلال زورق طوربيد ضد البارجة الفرنسية، مما أدى إلى غرق البارجة، كما أخبرتنا بأن اسم المدرسة المجاورة لمدرسة جول جمال، مدرسة الشهيد جلال الدسوقى، هو اسم القائد البحرى المصرى لمجموعة جول جمال، الذى استشهد هو الآخر فى الحرب، ولذلك تجاور اسماهما لمدرستين متجاورتين.
وفى نهاية حديثها ابتسمت معلمتى ولمعت عيناها وهى تقول لنا: على فكرة يا ولاد جول جمال سورى مسيحى عربى، كلنا فداء للعروبة. نسيت أن أقول لكم إن «أبلة فايزة عريان» هى مسيحية قبطية وجهها أقرب ما يكون إلى مجموعة «وجوه الفيوم» الشهيرة.
عندما كبرت، وأصبح التاريخ مجالى، عرفت أن هناك جدلًا كبيرًا حول واقعة غرق البارجة الفرنسية، لا سيما وأن معركة البرلس البحرية تم تحويلها إلى فيلم روائى هو «عمالقة البحار»، بطولة أحمد مظهر، ومن إخراج السيد بدير. على أى حال تقول السردية الفرنسية إن البارجة الفرنسية لم يصبها أذى، وهناك سردية أخرى تقول إنها أُعطبت ولكن إصابة بسيطة، وهناك سردية ثالثة بأن جول جمال استشهد أثناء طريق العودة، من خلال تعقب بعض الطائرات الفرنسية لقطع البحرية المصرية.
مهما يكن من دقة أو صحة السرديات السابقة، فالمؤكد هو استشهاد الضابط الشاب السورى جول جمال دفاعًا عن أرض مصر، قلب العروبة. ولذلك تم إطلاق اسم الشهيد جول جمال على مدرسة وشارع فى القاهرة، وفى الإسكندرية، كما أُطلِق اسمه على شارع فى اللاذقية فى سوريا، وشارع آخر فى رام الله فى فلسطين.
ويبقى أن نقول إن مصر فى قلب كل سورى، وسوريا فى عين كل مصرى.