صراعات إفريقيا المنسية
تقرير نشرته جريدة «وول ستريت جورنال»، أمس الأول، الأربعاء، ذكر أن الأزمة الأوكرانية والصراعات الدائرة فى منطقة الشرق الأوسط، صرفت أنظار العالم عن قارة إفريقيا، التى تشهد الآن، صراعات ونزاعات أكثر من أى وقت مضى. ولعلك تتذكر أننا قد أشرنا إلى أن «مبادرة إسكات البنادق»، التى أطلقها الاتحاد الإفريقى، سنة ٢٠١٣، من أجل إنهاء النزاعات المسلحة فى دول القارة، بحلول سنة ٢٠٢٠، تم تمديدها إلى سنة ٢٠٣٠، بسبب وجود صعوبات فى تنفيذها على أرض الواقع.
اختلفت أسباب النزاعات فى الدول الإفريقية، حسب التقرير، الذى أرجع بعضها إلى الانقلابات العسكرية، وقال إن بعضها الآخر يعود إلى عجز الحكومات عن فرض سيطرتها على مناطق شاسعة، ما فتح الباب أمام القادة المحليين، والأجانب، للتنافس على الموارد والسلطة. كما نقل التقرير عن كين أوبالو، وهو أكاديمى كينى، يعمل أستاذًا مساعدًا بجامعة جورجتاون، أن «المشكلة تكمن فى انهيار ليبيا، وما نتج عن ذلك من انتشار السلاح والأيديولوجيات المختلفة»، موضحًا أن كل شىء قابل للاشتعال فى وجود دول هشة، والكثير من الأسلحة والشباب القادمين من ليبيا، والأيديولوجيات القادمة من باكستان!
أوضح التقرير، كذلك، أن الحروب القديمة زادت حدتها، وأشار إلى أن الصراعات فى إثيوبيا والسودان زعزعت استقرار اثنتين من أكثر دول القارة سكانًا. وقال إن فروع تنظيمى «القاعدة» و«داعش» تتقاتل، فيما بينها، ثم مع القوات الحكومية، فى دول الساحل الغربى، التى وصفها بأنها صارت «قلب الجهاد» العالمى. ونقل عن بيانات جمعتها جامعة «أوبسالا» السويدية وحللها «معهد أبحاث السلام» النرويجى، أن السنة الماضية وحدها شهدت ٢٨ صراعًا فى ١٦ دولة إفريقية، بين «الفصائل المسلحة»، التى تضاعف عددها، منذ سنة ٢٠١٠، لافتًا إلى أن هذا الرقم لا يشمل الصراعات التى كانت القوات الحكومية طرفًا فيها!
ما يؤكد، أيضًا، أن الصراعات الإفريقية صارت منسية هو أن تحليلًا لمنظمة «وان كامبين»، ONE Campaign، غير الربحية، التى يقع مقرها الرئيسى فى واشنطن، ذكر أن حصة إفريقيا من المساعدات التنموية، التى تقدمها الدول الغنية، وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ ربع قرن. وعليه، سعت الدولة المصرية، ولا تزال، من خلال عضويتها فى «لجنة الأمم المتحدة لبناء السلام»، التى أُعيد انتخابها فيها، الشهر الماضى، لسنتين جديدتين، إلى حشد الدعم والاهتمام الدوليين للدول الخارجة من النزاعات، أو المتأثرة بها، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.
بقليل من التركيز، يمكنك ملاحظة أن مصر، أولت قضايا القارة السمراء أولية متقدمة فى سياستها الخارجية، منذ منتصف ٢٠١٤، وقامت بتسخير كل إمكاناتها، وجهودها، وخبراتها لدفع عجلة العمل الإفريقى المشترك، وطرحت خلال رئاستها الاتحاد الإفريقى، رؤيتها لمواجهة انتشار الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة، وفى كلمتها، بالجلسة الافتتاحية، للقمة الإفريقية الثالثة والثلاثين، أبدت، بلسان رئيسها، استعدادها لاستضافة قمة تهدف إلى إنشاء قوة إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب.
المهم، هو أن التقرير، الذى كتبته جابرييل شتاينهاوزر، مديرة مكتب جريدة «وول ستريت جورنال» فى إفريقيا، أكد أن المدنيين، هم أكثر ضحايا تلك الصراعات، الذين يصعب إحصاء عددهم، لعدم إمكانية وصول الصحفيين ومجموعات الإغاثة، وانقطاع خدمات التليفون والإنترنت. غير أن التقرير ذكر أن خبراء فى جامعة «جينت» البلجيكية قدروا عدد ضحايا الحرب بين الحكومة الإثيوبية و«الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى»، مثلًا، بما يتراوح بين ١٦٢ و٣٧٨ ألف مدنى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن «لجنة التعاون والعلاقات الدولية وفض النزاعات» بالبرلمان الإفريقى، كانت قد اجتمعت فى ٧ أغسطس ٢٠١٩، بمقر مجلس النواب فى القاهرة. وخلال هذا الاجتماع، قال إدمور كامبودزى، المسئول عن إعداد تقرير الأمن والسلم فى إفريقيا، إن دول القارة لن تتمكن من «إسكات البنادق»، لأنها لا تستطيع اتخاذ قرارات بمفردها، وهدّد أو لوّح بإعلان أسماء دول «بمنطقة الشرق الأوسط» تقوم بتهريب السلاح وتقف وراء استمرار النزاعات فى العديد من دول القارة.