رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصائد الذكاء الاصطناعى!

ما عليك إلا أن تطرح الفكرة على الذكاء الاصطناعى، فكرتك التى تريد صياغتها فى قالب شعرى، الشعر هو المثال هنا، وما هى إلا لحظات خاطفة وتكون قصيدتك بين يديك.. «قصيدتك الاصطناعية» طبعًا «الاصطناعى فى معجم اللغة: ما كان مصنوعًا، غير طبيعى، كالحرير الاصطناعى والورد الاصطناعى»... يمكنك بعدها نشر قصيدتك فى السوشيال، وتلقى الآراء حولها، الآراء التى غالبًا ما تكون منبهرة، وغافلة، إلا قليلًا قليلًا، وهكذا تتوهم أنك شاعر، قائلًا لنفسك: الفكرة فكرتى حتى لو كان الذكاء الاصطناعى هو الذى كتب!
فى الحقيقة كل ما أخشاه أنا أن تنتشر القصة، وهى آخذة فى الانتشار فعلًا، فنصحو على صوت شاعر جديد بيننا، لكنه مصطنع طبقًا للبرنامج الذى يصوغ له الأفكار، أخشى أيضًا، وهذه خشية كبيرة حقًا، أن تتبنى جهة ما مثل هذا الشاعر المصطنع، وتفرضه على الآخرين، بل تعتبر الطريقة التى يتبعها مشروعة، وتقيم له المسابقات وتقدم له الجوائز.. كل شىء وارد؛ لأننا فى فترة بائسة ركيكة، فترة هى نفسها اصطناعية قبل أن تكون حاوية لـ.... مصطنعة، وبالرغم من وضوح الفساد الذى يجللها، إلا أنه كثيرًا ما يلتبس على الناس، وهذا خطره، فلا يستطيعون البت بشأنه: أفساد هو أم ليس فسادًا؟!...
نمط الذكاء الاصطناعى فى الكتابة واحد، مهما تنوعت الأفكار، يمكن كشفه بسهولة، والمشكلة تكمن فى أن جماعة من الذين يعتمدون عليه فى صوغ أفكارهم يدركون هذا الأمر، فيستلمون المنتج ويحورون الكلام؛ ليبدو كأنه من عند أنفسهم، وعلى هذا يقومون بنشره فى الصحف والمجلات المتخصصة ضامنين أن اللعبة مغطاة بإحكام، وهكذا يساهمون فى تخريب الساحة الشعرية فوق خرابها الأصلى، غير منتبهين إلى ناقد بصير أو قارئ متمرس قد يقلب عليهم الطاولة.  
قبل قضية الكتابة بواسطة الذكاء الاصطناعى، أيًا كان المكتوب، وأخص الشعر الآن، وهى قضية جديدة طبعًا بحكم حداثة البرنامج، توجد قضايا شبيهة هى التى أفضت إلى الخلل الناشئ بالتأكيد، كقضية استسهال الكتابة، وقضية الكتابة السوشيالية، مثلًا لا حصرًا، أعنى باستسهال الكتابة عدها سهلة، لا تحتاج إلى عناء البحث عن فكرة مضيئة مختلفة، ولا تتطلب لغة سليمة قوية بوسعها التعبير عن هذه الفكرة باقتدار، وأعنى بالكتابة السوشيالية هذا النوع الذى يشبه «البوستات» على فيسبوك وتويتر وغيرهما، كتابة متطرفة العواطف مضطربة اللغة، يشجعها متابعون كثيرون، متنوعو المؤهلات، لكنهم لا يملكون معلومة عن صاحبها، فضلًا عن جهلهم بفن الكتابة نفسه، وبالذات الشعر، وطالما وجد هؤلاء المتابعون ضالتهم عند ناس تضيع عندهم الضوال!
الشاعر المطبوع، فى المعجم اللغوى، هو من يأتى شعرًا دون تكلف، وهو، فى الواقع، من يفتش عنه الصادقون وينتظره الجمهور الواعى المحب، وأما الشاعر المصنوع فخلافه تمامًا، وليته يذهب، بذكائه الاصطناعى، إلى الجحيم.