رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذكاء الاصطناعى.. كيف نستفيد دون الوقوع فى الفخ؟

أصبح الذكاء الاصطناعى «AI» فى عصرنا الحديث أداة غير قابلة للإغفال، تفرض تأثيرها العميق على حياتنا اليومية.

فهو لم يعد مجرد تقنية حاضرة فى مجالات متخصصة، بل تحوَّل إلى جزء أساسى من كل زاوية فى عالمنا المعاصر، بداية من هواتفنا الذكية وصولًا إلى الأنظمة المتطورة التى تشكل جزءًا من روتيننا.

وبالفعل، لم يكن الأمر مفاجئًا أن يشهد الاعتماد على الذكاء الاصطناعى طفرة كبيرة فى السنوات الأخيرة، إذ أظهرت الدراسات الحديثة أن عدد مستخدمى أدوات الذكاء الاصطناعى حول العالم وصل إلى نحو 254.8 مليون شخص فى عام 2023، ما يمثل ضعف العدد المسجل فى 2020، فى ضوء هذه الزيادة، تتوقع الدراسات أن يتجاوز العدد الـ700 مليون مستخدم بحلول عام 2030.

يُترجم هذا النمو الهائل فى الاستخدامات إلى تغلغل الذكاء الاصطناعى فى شتى مجالات الحياة اليومية، من تكنولوجيا الاتصالات إلى قطاعات التعليم، الصحة، والصناعة؛ ليصبح ركيزة أساسية لتطوير الأداء البشرى وتسهيل العمليات المعقدة.

من بين أبرز هذه التطبيقات نجد «التزييف العميق»، الذى يُستخدم لتوليد صور وفيديوهات مزيفة بدقة مذهلة، بفضل الذكاء الاصطناعى، فعن طريق التعلم الآلى وتقنيات متطورة، يمكن لهذه التقنية إنشاء نسخ شبه مطابقة من وجوه الأشخاص أو تعديل أصواتهم لتبدو كما لو كانت حقيقية بالكامل.

الأساس فى هذه التقنية يعتمد على الشبكات العصبية التوليفية، التى تشمل نظامًا مركزيًا يتكون من «المولد»، الذى يخلق المحتوى، و«المميز»، الذى يقيّم مدى واقعية المحتوى الذى تم إنشاؤه، ورغم الفوائد الإبداعية لهذه التقنية، فإنها تترافق مع مخاطر جسيمة.

ففى حين توفر التقنية إمكانات رائعة لتحسين تجارب المستخدم فى قطاعات الترفيه والتعليم والصحة، فإنها تحوِّل الفضاء الرقمى إلى أرض خصبة لنشر المعلومات الزائفة والمضللة.

على سبيل المثال، يمكن نشر مقاطع فيديو مفبركة تظهر أشخاصًا يصرِّحون بمواقف لم يقولوها، مما يعزز الأكاذيب، التى قد تضر بالأمن العام أو تهدد استقرار الدول.

تتجاوز تهديدات التزييف العميق تأثير الأفراد والمؤسسات إلى تهديدات أكبر للأمن الوطنى والدولى، من استخدامات هذه التقنية فى تزوير تصريحات أو فبركة بيانات يمكن استغلالها لخلق أزمات دبلوماسية أو التلاعب بأسواق المال.

وفى خضم هذه المخاطر، يظل السؤال الأبرز: كيف يمكننا التفريق بين المحتوى الحقيقى والمزوّر؟ بالفعل، تم تطوير تقنيات متقدمة للكشف عن التزييف العميق، بما فى ذلك استخدام الذكاء الاصطناعى لتحليل تدفق الدم فى وجه الشخص أثناء الفيديوهات أو مراقبة التباين بين الحركات الشفاهية والأصوات المنطوقة، مما يساعد على كشف المحتوى المفبرك.

مع هذه التحديات المستمرة، يصبح التوازن بين الابتكار وحماية الأمان الشخصى والعالمى قضية محورية، فى حين أن الذكاء الاصطناعى يحمل إمكانات مذهلة لتحسين مختلف جوانب الحياة، فإنه يتيح أيضًا مجالًا واسعًا للاستغلال السيئ لهذه التقنيات.

إن التقدّم التكنولوجى الذى نشهده يتطلب منا دراسة عادلة وواعية لما يحمله الذكاء الاصطناعى من وعود ومخاطر، فلا شك أنه يساعد على تحسين إنتاجية الأعمال وكفاءتها، كما أصبح أداة قوية فى مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم، حيث يمكن للذكاء الاصطناعى المساعدة فى اكتشاف الأمراض مبكرًا وتعزيز تجربة التعلم الشخصى.

إلا أن هذا الطموح الواسع ليس خاليًا من السلبيات فى العالم المهنى، قد يؤدى الاعتماد على الأنظمة الذكية إلى اختفاء الوظائف التقليدية، ويطرح سؤالًا حول كيفية استعداد الأفراد للمواءمة مع التغيرات الحتمية.

كما أن الانتهاكات المحتملة للخصوصية تعتبر أحد أبرز المخاوف من استخدامات الذكاء الاصطناعى، خصوصًا فى مجال معالجة البيانات الشخصية والحساسة.

وفى عالم يتسارع فيه التقدّم، تزداد الحاجة إلى التنسيق بين الابتكار وحماية الأمن الشخصى، مما يستدعى وضع سياسات تنظم هذا المجال وتضمن الشفافية والمسئولية فى استخدام التكنولوجيا.

لا شك أن الذكاء الاصطناعى يحمل بداخل مجالاته الكثير من الفرص العظيمة، لكنه يتطلب منا جميعًا إقرار قواعد لأمانه ووسائل لضمان استخدامه فى مصلحة الإنسانية.

ما بين الفوائد التى تحسن حياتنا والمخاطر التى تهددها، يتشكّل مستقبل الذكاء الاصطناعى كتحدٍ ملهِم يجمع بين التقدم والتفكير العميق فى كيفية توظيف هذه القوة التكنولوجية بشكل آمن وفعّال.