رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف وصل بشار الأسد لحكم سوريا؟

قبل وفاة الرئيس حافظ الأسد فى يونيو عام 2000، كانت هناك إشارات لمرضه، ولكن لم يكن يجرؤ أحد على التصريح بذلك.

كانت وزيرة الخارجية الأمريكية، مادلين أولبرايت، أثناء رئاسة الرئيس بيل كلينتون، هى أول مَن عرفت بمرض الرئيس الأسد، وقالت: وجدنا أن الأسد مريض وشاحب، بدا نحيف الوجه، وبدت يداه هزيلتين. وقالت فى مذكراتها: بعدما كان حافظ الأسد، يسحر وزراء الخارجية بذكائه، ويجتذب السامعين طوال ساعات، وهو يروى أحداثًا فى التاريخ العربى. من إلحاق صلاح الدين الهزيمة بالصليبيين، إلى خيانة السادات المفترضة، فى كامب ديفيد، لم يعد الأسد يميز بين كلينتون وإيهود باراك، فقد بدا الرئيس مشوشًا، وفى أوقات أخرى غير مركز تمامًا على الحديث، وبعد ذلك يسعى إلى معاودة الدخول بسؤال فاروق الشرع، وزير خارجيته عما كان يبحثه مع وزيرة الخارجية، ولكن كانت هناك لحظات من الوضوح عندما كان يعرف تمامًا ما يريد أن يقول أو ما يفعل. كان الأسد فى التاسعة والستين من العمر يعانى ضعفًا فى الذاكرة وتصلبًا فى شرايين الدماغ يؤثر على أداء المرء إلى حد التشوش وضعف الذاكرة، وعدم القدرة على التركيز. فقد فعلت الإصابة بداء السكرى والسرطان ومشاكل القلب فعلها فى الأسد، وبعد ستة أشهر توفى. ومع ذلك فقد احتفظ بالإرادة والقدرة العقلية الكافية للقيام بمشروعين مؤثرين يشكلان ميراثه لبلده، ويضعان سوريا والعالم العربى على مسار مختلف جدًا فى الألفية الجديدة. 

المشروع الأول: هو ترتيب تولى ابنه بشار الأسد الرئاسة بعد وفاته. 

المشروع الثانى: هو محاولة صُنع السلام، فقد كان يدرك أن ابنه بشار يفتقد إلى الخبرة ومهارات التفاوض مع الصهاينة المكروهين، وأن سوريا سيتم عزلها لو أكمل الفلسطينيون وحدهم، وهو ما تحقق بالفعل.

وفى غضون عام 1995 زار الدكتور خالد عبدالناصر، نجل الزعيم جمال عبدالناصر، دمشق، بدعوة من الحكومة السورية فى أعقاب براءته فى القضية المعروفة إعلاميًا بقضية تنظيم ثورة مصر. وقال: من السهل جدًا أن تلاحظ أن حافظ الأسد مصاب بألزهايمر، وأنه لا يُحدث زواره إلا عن الماضى البعيد، ولا يتطرق للحاضر فى أحاديثه، ما يشير إلى أنه يتذكر الماضى البعيد، ولا يتذكر القريب، وهذا الأمر من أعراض ألزهايمر. وأثناء استقباله لى كان يقف خلفه شخص مهمته أن يساعده فى النهوض من كرسيه عندما يريد، ويساعده فى الجلوس والحركة. كما كان لعاب حافظ الأسد يسيل من فمه، وكان مساعده يمده بالمناديل الورقية ليمسحه، أو يقوم هو بمسح لعابه بنفسه. وقد هنأنى الرئيس حافظ الأسد على السلامة والبراءة من «القضية» وطلب منى أن أكون حذرًا من الإسرائيليين والأمريكيين. وأنه يعتقد أن الرئيس مبارك لن يتخلى عن واجبه فى حمايتك. وهو رجل وطنى مخلص برأيه! 

ومن الأشياء الطريفة التى حدثت له فى دمشق، فى يونيو 2000 توفي الرئيس حافظ الأسد بنوبة قلبية، بينما كان يتحدث مع الرئيس اللبنانى إميل لحود على الهاتف، وبقى الهاتف مفتوحًا، وبدأ الرئيس إميل لحود يسمع ضجة وصراخًا، فأكمل يقول: ألو، ألو، ماذا يحصل؟ ولم يرد عليه أحد. على الجانب الآخر، سقطت السماعة على الأرض، والحرس وأمين السر والأطباء يحاولون إنقاذ الرئيس الراحل حافظ الأسد، لكن حصل ما حصل وتوفى الرئيس حافظ الأسد. وحسب رواية فاروق الشرع، وزير خارجيته. أنه فى صباح 10 يونيو 2000. 

أبلغه اللواء آصف شوكت الذى تربطه بفاروق الشرع صلة قديمة، بأن يحضر إلى منزل الرئيس الأسد، وعندما استفسر منه الشرع عن سبب الحضور، أبلغه آصف بصوت متهدج بأن وجوده ضرورى فى منزل الرئيس، تصور الشرع أن الرئيس ربما يكون فى حالة احتضار، فهو عادة يتصل به، ولكنه استبعد فكرة الوفاة. 

وعندما وصل البيت قاده البواب صامتًا إلى حجرة الصالون، كان هناك مصطفى طلاس، ورئيس الأركان على أصلان، استقبله فى مدخل الصالون اللواء آصف شوكت، وفهم منه الشرع أن جثمان الرئيس فى الغرفة المجاورة. 

ثم جاء عبدالحليم خدام، نائب الرئيس بالملابس الرياضية، بينما كان بشار الأسد وماهر الأسد يذرعان المكان جيئة وذهابًا. ويتنقلان بين الصالون وداخل البيت والقلق يعتريهما بوضوح، وما أن يستقرا حتى ينهضا من جديد. لم يتساءل أحد عن سبب الوفاة المفاجئة. 

كان أول المتحدثين العماد مصطفى طلاس، وكان وزيرًا للدفاع، واقترح ضرورة تعديل الدستور، كى يتمكن الدكتور بشار الأسد من تولى الرئاسة. 

وتابع أن التعديل المقترح يتطلب إبلاغ رئيس مجلس الشعب عبدالقادرة قدورة لعقد جلسة طارئة لهذا الغرض. ونبههم الشرع بأنه ينبغى التدقيق فى تاريخ ميلاد بشار الأسد، حيث كان بشار الأسد يبدو صغيرًا فى العمر.

كان فى ذهن المجتمعين أن هناك منافسًا لنجل الرئيس، هو اللواء رفعت الأسد شقيق الرئيس. 
وقال رئيس الأركان إن الجيش وضع فى حالة استنفار، وإنه لا بد من تشكيل لجنة تتولى ترتيبات التشييع والدفن فى القرداحة مسقط رأس الرئيس، واقترح قائد الأركان أن يتولى فاروق الشرع هذا الموضوع. ومع أن الشرع لم يكن راغبًا فى التوريث؛ إلا أنه لم يساير طموحات رفعت الأسد بالرغم من عدم كراهيته له، ووجد الشرع نفسه يوافق فى تلك الجلسة على اقتراح مصطفى طلاس؛ لسببين: 

الأول: كان الشرع يتذكر موقف رفعت الأسد فى مرض أخيه ومحاولته الانقلاب عليه فى مارس 1984. 

والثانى: أن اختيار بشار سيكون مخرجًا آمنًا وبديلًا سلميًا عن صراع يمكن أن ينفجر إذا لم يتم الاختيار المناسب. 

واقترح الشرع أن يتم تشييع الجنازة على مرحلتين: المرحلة الأولى شعبية، وتتم فى قصر الشعب، حتى يتاح الوقت الكافى لوصول من يرغب من الدول الشقيقة والدول الصديقة. 

والمرحلة الثانية شعبية، تتم فى قرداحة، وتتاح المشاركة بالتشييع على نطاق واسع وصلاة الجنازة قبل الدفن، حسب التقاليد والأعراف المتبعة.

فى الحال، اعتبر رفعت الأسد، وكان فى إسبانيا، نفسه الوريث ليحل مكان الرئيس الراحل حافظ الأسد لكن الأوامر السورية جاءت إلى بيروت ودمشق إذا حضر بالطائرة رفعت الأسد فيجب اعتقاله. 

وتبلغ رفعت الأسد هذا الأمر وهو فى إسبانيا، فلم يجرؤ على المجىء إلى بيروت لأن فى مطار بيروت كان اللواء رستم غزالى قد أعطى الأوامر باعتقال رفعت الأسد فور نزوله من الطائرة. 

أما فى دمشق فاستمارة الاعتقال موجودة وممنوع على رفعت الأسد أن يقترب من الوراثة. 

التف الضباط حول بشار الأسد الذى لم يكن قد بلغ عمر الأربعين عامًا؛ كى يصبح رئيسًا للجمهورية حسب الدستور السورى، لأجل هذا بدأت المشاورات ورفض عبدالحليم خدام نائب رئيس الجمهورية تعديل الدستور، كما رفض تنصيب بشار الأسد رئيسًا للجمهورية. 

غضب بشار وهدد عبدالحليم خدام، فقال خدام: لو جاء الحرس الجمهورى كله وقتلنى فلن أوقع على تعديل الدستور. 

كان الجيش السورى يؤيد بشار الأسد رئيسًا لسوريا، وزادت الضغوط على خدام لكن خدام أصر على موقفه وظل على رفضه ولم يقبل ببشار رئيسًا. 

قال له العماد حكمت شهابى، نائب رئيس الجمهورية: يا أبوجمال دورنا خلص أنا وأنت مع الرئيس الراحل الأسد، اترك المجال لشبان غيرنا ولنذهب إلى بيوتنا، فتستقيل أنت، وأستقيل أنا، وكل واحد يذهب فى طريقه، أصبح عمرنا ليس صغيرًا، وبعد جدال بين شهابى وخدام أقنع العماد حكمت شهابى خدام بالموافقة على تعديل الدستور وانتخاب بشار الأسد أمينًا عامًا لحزب البعث. 

فى هذا الوقت كان الجو متوترًا فى دمشق، والجيش فى استنفار، والعميد ماهر الأسد يدير العمليات العسكرية منتبهًا إلى كل الأمور، والجماهير تزحف إلى القرداحة، أما الجيش فكان متيقظًا للأمور، وبعد موافقة خدام جرى اجتماع حزب البعث وانتخب الرئيس بشار الأسد أمينًا عامًا للحزب، وتم تعديل الدستور فى مجلس الشعب بالإجماع، على أن يكون رئيس الجمهورية تحت سن الـ40، ثم تم انتخاب الرئيس بشار الأسد رئيسًا للجمهورية.