رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأوضاع فى سوريا: قراءة شاملة للمشهد الراهن وتأثيراته الإقليمية والدولية

تشهد سوريا منذ عام 2011 أزمة متعددة الأبعاد، تداخلت فيها القضايا المحلية والإقليمية والدولية، ما جعل هذا النزاع واحدًا من أعقد النزاعات فى العصر الحديث. يظل الوضع فى سوريا معقدًا، حيث تتشابك المصالح السياسية والعسكرية بين مختلف القوى الفاعلة، مع تأثيرات مباشرة على استقرار المنطقة والعالم.

الوضع الداخلى السورى

سوريا اليوم تواجه تحديات إنسانية واقتصادية وأمنية هائلة، رغم تراجع حدة المعارك الكبرى، لا يزال النزاع مستمرًا على مستويات متعددة. المناطق التى يسيطر عليها النظام السورى بقيادة الرئيس بشار الأسد تشهد محاولات لتعزيز السيطرة، فى ظل أزمة اقتصادية خانقة وتدهور مستمر فى البنية التحتية. أما مناطق الشمال والشمال الشرقى، فتتوزع السيطرة فيها بين القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والفصائل المدعومة من تركيا، إلى جانب جيوب متفرقة لتنظيمات إرهابية مثل «داعش».

موقف الجيش السورى

ظل الجيش السورى العمود الفقرى للنظام، مدعومًا بتحالفات مع قوى خارجية مثل روسيا وإيران. ومنذ بداية النزاع، ركّز الجيش جهوده على استعادة الأراضى التى فقدها لصالح المعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية. ومع ذلك، يُواجه الجيش تحديات عديدة، بما فى ذلك نقص الموارد والاستنزاف الناتج عن سنوات القتال الطويلة. ورغم تحقيقه انتصارات استراتيجية فى مدن رئيسية مثل حلب والغوطة الشرقية، لا تزال أجزاء كبيرة من البلاد خارجة عن سيطرته، مما يعوق أى محاولات لإعادة بسط السيادة الوطنية الكاملة.

الدور الروسى فى سوريا

روسيا، الحليف الأبرز للنظام السورى، لعبت دورًا محوريًا فى تغيير موازين القوى منذ تدخلها العسكرى المباشر فى عام 2015. من خلال دعمها الجوى والبرى، تمكن الجيش السورى من استعادة مناطق استراتيجية. وعلى المستوى السياسى، تسعى موسكو لتعزيز موقعها كوسيط دولى رئيسى فى الملف السورى، مستغلة ضعف الموقف الغربى وانشغاله بقضايا أخرى.

ولكن تدخل روسيا ليس بلا مقابل؛ فهى تسعى لتعزيز وجودها العسكرى طويل الأمد فى شرق البحر المتوسط، إضافة إلى تأمين مصالحها الاقتصادية، بما فى ذلك عقود إعادة الإعمار والاستثمارات فى قطاعى النفط والغاز.

موقف المجتمع الدولى

المجتمع الدولى منقسم حيال الأزمة السورية. الولايات المتحدة وحلفاؤها ركزوا على محاربة «داعش» ودعم القوات الكردية، مع فرض عقوبات اقتصادية على النظام السورى تحت قانون «قيصر». فى المقابل، دعمت دول مثل إيران وروسيا النظام بشكل مباشر.

* الدول الأوروبية تبنت موقفًا أكثر تحفظًا، داعية إلى حل سياسى عبر مسار جنيف، لكنها لم تلعب دورًا حاسمًا على الأرض. أما الأمم المتحدة، فقد واجهت صعوبة فى تحقيق اختراق سياسى حقيقى بسبب تضارب المصالح الدولية، مما ترك الملف السورى فى حالة من الجمود السياسى.

التأثيرات الإقليمية للأزمة السورية

الأزمة السورية أفرزت تداعيات خطيرة على دول الجوار والمنطقة بشكل عام. موجات اللاجئين تسببت فى ضغوط هائلة على دول مثل لبنان، الأردن، وتركيا، مع تأثيرات اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد. كما أن تصاعد دور الميليشيات المدعومة من إيران عزز التوترات الطائفية فى المنطقة.

* تركيا، التى دعمت المعارضة السورية، وجدت نفسها متورطة فى الصراع بشكل مباشر، سواء من خلال عملياتها العسكرية فى الشمال السورى أو استقبال ملايين اللاجئين. فى الوقت نفسه، أسهم النزاع فى تعقيد العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة بسبب الدعم الأمريكى للقوات الكردية.

مستقبل سوريا وتأثيراته على المنطقة

يبقى مستقبل سوريا مرهونًا بإيجاد حل سياسى شامل يضمن وحدة البلاد وسيادتها، وهو أمر يبدو بعيد المنال فى ظل غياب توافق دولى وإقليمى. استمرار الأزمة يعنى مزيدًا من عدم الاستقرار فى المنطقة، مع تصاعد التنافس بين القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، واستمرار التوترات بين اللاعبين الإقليميين.

على الصعيد الإنسانى، تحتاج سوريا إلى جهود دولية مكثفة لإعادة الإعمار وتخفيف معاناة المدنيين. ولكن مع بقاء العقوبات الاقتصادية وغياب آليات تمويل فعّالة، سيظل هذا الهدف صعب المنال.
وفى النهاية يجب معرفة أن الأزمة السورية ليست مجرد نزاع داخلى؛ إنها انعكاس للصراعات الإقليمية والدولية التى تتجاوز حدودها. إن تحقيق السلام والاستقرار فى سوريا يتطلب توافقًا دوليًا حقيقيًا، مع إرادة سياسية لمعالجة الجذور العميقة للأزمة. وحتى ذلك الحين، ستظل سوريا مركزًا للتوترات التى تهدد استقرار المنطقة بأسرها.