سوريا فى قلب مصر
رغم أننى وبحكم طبيعة عملى أهتم دائمًا بالشأن الداخلى لبلادى سواء من الناحية الأمنية أو السياسية، إلا أن الشأن السورى يمثل بالنسبة لى حالة خاصة، حيث سبق لى العمل بسفارتنا المصرية فى دمشق عدة سنوات، وأعلم جيدًا تلك العلاقة القوية التى تربط الشعبين المصرى والسورى منذ عشرات السنين، وخلال فترة إقامتى هناك رأيت العديد من التيارات السياسية بل والدينية المختلفة تتعايش معًا فى حالة من الهدوء والاستقرار إلى أن تمكنت بعض الدول من فرض نفوذها هناك وتحديدًا إيران، كما ظهرت العديد من التنظيمات المتطرفة فى محافظات شمال سوريا وتحديدًا فى حلب وإدلب، حيث تمكنت جماعة الإخوان الارهابية من إيجاد قواعد لها هناك ومنها انبثقت التنظيمات الإرهابية مثل جبهة النصرة والجيش السورى الحر وأحرار الشام ونصرة الشام وداعش، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت هناك حالة من الكمون والهدوء لتلك التنظيمات والتى كانت قد قامت بالعديد من المجازر والإرهاب فى محافظات الشمال فى محاولة لإخضاعها لسيطرة تلك الجبهات وفصلها عن الدولة الأم. واستمرت هذه الأعمال الإرهابية خلال الفترة من عام 2012 وحتى عام 2019 حيث تدخلت روسيا وتركيا واتفقتا على السيطرة على الوضع هناك، والتعامل مع تلك التنظيمات الإرهابية التى استكانت وأوقفت عملياتها التخريبية وعاد الهدوء النسبى وسادت حالة من السلم الأهلى فى كنف الدولة وجيشها الرسمى، وفجأة وبدون أى مقدمات تحركت منذ عدة أيام تلك الفصائل مجددًا نحو مدينة حلب لتسيطر عليها دون أى مقاومة وهو ما يؤكد أنها كانت فى حالة كمون داخل المدن السورية كما واصلت عدوانها على مدينة إدلب وحماة قبل أن يتدخل الجيش السورى والذى بدأ يتعامل حاليًا مع تلك الفصائل، ولكن من الواضح أن الأمور أكثر تعقيدًا وصعوبة فى استعادة زمام الأمور هناك.
جاء تحرك تلك التنظيمات متواكبًا فى نفس التوقيت الذى أعلن فيه عن الاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، حيث كان هذا الإعلان مقرونًا بتهديدات إسرائيلية لسوريا ورئيسها. إذا تم توجيه أى ضربة عسكرية من الأراضى السورية ضد إسرائيل، ويبدو أن هذا التهديد جاء بمثابة إشارة ضمنية للميليشيات الإرهابية الكامنة فى سوريا للقيام بتلك الهجمات ومعاودة اعتدائها على المدن الشمالية هناك، وهو ما يجعلنى أعتقد أن هناك تشابكًا بين أحداث سوريا الأخيرة وما يجرى فى غزة ولبنان خاصة أن إسرائيل وحلفاءها حريصون تمامًا خلال هذه الفترة على جعل المنطقة المحيطة بإسرائيل فى حالة تفكك وانشغال بمشاكلها الداخلية كوسيلة لتخفيف الضغط على إسرائيل التى تعانى من ضربات حزب الله فى لبنان، وأيضًا من المقاومة الفلسطينية فى غزة، وهناك قناعة أن سوريا لديها دور فى هذا الصدد، حيث إنها تمثل الجسر الواصل بين الدعم السورى الإيرانى من جهة وبين حزب الله اللبنانى من جهة أخرى، ومن هنا فلا أستبعد أن يكون هناك تأثير إسرائيلى بشكل غير مباشر على قيام الفصائل المسلحة والمتطرفة فى سوريا بالهجوم على الجيش النظامى هناك والعودة الى المناطق التى كانت تحتلها حتى تم إخراجها منها منذ أربعة أعوام.
هناك العديد من المعطيات يجب الإشارة إليها والتى أرى أهميتها فيما يحدث فى سوريا حاليًا.
-إن الصراعات الإقليمية التى تشهدها المنطقة حاليًا ساهمت إلى حدٍ كبير فى عودة التنظيمات المسلحة إلى محاولات السيطرة على الشمال السورى تمهيدًا للاستقلال بها فى إطار ما تسعى إليه أطراف إقليمية عديدة وأجهزة استخبارات دولية إلى تقسيم الدولة السورية وإضعافها عسكريًا وسياسيًا وإقتصاديًا لكى لا تكون عنصر خطورة على إسرائيل فى أى وقت من الأوقات.
-إن الوجود الإيرانى فى سوريا أصبح غير مرغوب فيه خاصة من جانب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ومن هذا المنطلق فإن وجود عناصر تابعة لحزب الله فى سوريا أصبح مبررًا لإحداث تلك الفوضى والتخريب والعمليات الإرهابية للضغط على سوريا لتقليص الوجود الإيرانى بها.
-إن النظام الحاكم فى سوريا ساهم بقدرٍ كبير فى إحداث حالة من الانقسام بين أبناء الشعب السورى وأضاع فرصًا عديدة لفتح مسار سياسى جديد يستوعب المعارضة المدنية والشعبية حتى يستطيع أن يواجه الفصائل الإرهابية التى تحمل السلاح وتهاجمه الآن.
-إن النظام فى سوريا اعتمد على العديد من البدائل والتدخلات الإقليمية لتدعيم وضعه فى الحكم إلا أن تلك القوى والدول لم تقدم له الدعم الكافى لذلك، بل إن وجودها كان مبررًا لتواجد تنظيمات مسلحة من الداخل لمواجهة تلك التدخلات، وهذا الدعم ولم يكن هناك أى تحرك من قبل السلطات السورية للقضاء على تلك التنظيمات اعتقادًا منها أن حلفاءها قادرون على مواجهة أى محاولات لتلك الفصائل والقضاء عليها فى حينها.
وعلى ضوء ما يحدث حاليًا فى سوريا وخوفًا من توسع التنظيمات الإرهابية فى عملياتها هناك وانقلاب الأوضاع إلى مرحلة الحرب الأهلية كانت مصر من أوائل الدول التى أعلنت بكل وضوح عن دعمها الكامل للدولة وللشعب السورى وللرئيس بشار الأسد بصفته الرئيس الشرعى للبلاد واهتمامها البالغ بسلامة الدولة السورية الشقيقة والوقوف ضد أى محاولة لتهديد سوريا واستقرارها ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أكدته وزارة الخارجية المصرية بتوجيه من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقد ترتب على هذا الموقف المصرى القوى أن قامت العديد من دول المنطقة مثل العراق والأردن باتخاذ مواقف مماثلة للموقف المصرى، كما دعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وإنجلترا إلى وقف التصعيد فى سوريا وإلى حماية المدنيين هناك، كما عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة الأوضاع فى سوريا لوضع حد لما يحدث هناك.
هذا هو حال الدولة المصرية الداعمة دائمًا لأشقائها العرب فى أى محنة يتعرضون لها، إلا أننى أعتقد أن سوريا لها مكانة خاصة فى قلوب المصريين الذين فتحوا أبوابهم للنازحين من أبناء الشعب السورى مرحبين بهم ومساندين لهم، فجميعنا يشعر أن سوريا دائمًا فى قلب كل مصرى.