رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموت الأول

ليندة كامل
ليندة كامل

كل ما كان يسبب الألم لى انزاح فجأة! لا ألم دائم ولا سعادة أبدية، أكاد أشعر بنفسى وكأننى ولدت بلا وجع أو ألم؛ هل هى حياة الأرحام! 

كنت أريد أن أحقن وريدى بجرعة أمل، أمام كومة من السواد التى نزلت علىّ كالكابوس، فأقرأ نصوصًا عن الطاقة الإيجابية، وأتابع حصصًا، لدكتور المزين، وأحضر لحصص التنمية النفسية، والطب الشامل الموحد؛ لكنه كالكابوس أشعر بى داخله منذ أن أصبح مديرًا فى المؤسسة، فدخلت فى حرب استنزفت طاقتى، وقدرتى على الصبر ضده. 

انفصل نصل دون إرادة منى، شىء ما انقض على صدرى سد مسامات تنفسى وشل حركتى، فلم أقوَ على تحريك أعضائى لا شىء فىّ يتحرك. ألم لم أعرفه قبل اليوم، ألم يفوق الوصف، وثقل عجيب على كامل جسدى، وكأنها طعنات خناجر غرست فيه دفعة واحدة، فأطفأت الأضواء أمامى، ودخلت إلى نفق مظلم، لأجدنى منفصلًا عن جسدى أو فوقه؛ بعدما فتحت عينى شيئًا فشيئًا، لا أعلم كم من الوقت أخذته وأنا فى حالة غياب عن الدنيا، وكأننى انفصلت عن عالم لأدخل إلى آخر، أهى ولادة واعية! وفجأة أفقت على نبأ موتى! أقلت موتى؟.. هل هذا هو الموت..؟! 

دخلت نفقًا مظلمًا ثم وجدت نفسى وسط ضوء كثيف، كنت أرى عالمين معًا، هنا جسدى وهناك روحى، تحلق كالطيف. 

لا أريد الانفصال عن جسدى، أو جسدى لا ينفصل عنى مثل مغناطيس ذاك الشىء الذى يلصقنى به، كنت أفكر، ترى كيف سيكون رد فعل أقرب الأقرباء؟ وحتى الأعداء؟ عند سماعهم هذا الخبر..

يا لى من غبى أفكر برد فعل غيرى وأنا فى ورطة الوداع الأبدى، انقض الخوف علىّ، فارتجفت أطرافى التى بدأت تستسلم للسكون وأسئلة تتساقط على عقلى دفعة واحدة، أين سأذهب، وأين سأستقر، وماذا سيحدث لى!

أعدائى سيفجعون ربما؟ بل حتما سيفجعون، طبعًا فراقى سيكون صعبًا عليهم، مثل ما هو صعب علىّ ! يا لقلبى الرقيق وأنا فى أشد المواقف غموضًا أستفسر عنهم، أظنهم سيصابون بالذهول للوهلة الأولى، لقد كنت برفقتهم صباح هذا اليوم، والآن فقط انتشر خبر موتى، وكما تقول جدتى: «خبر الموت لا يخفى عن أحد، سيعلم الجميع بالأمر».

انتشر الخبر كالنار فى الهشيم فى لحظة واحدة، اجتمع الناس ممن أعرف، وممن لا أعرف، الكل يلطم وجهه، ويتساءل كيف، ومتى حدث هذا! أنا نفسى تفاجأت مثلهم.

لقد كنت كثير الأحلام والطموح، والتخطيط، والتذمر، والحزن والبكاء والاشتكاء، لقد فاجأنى الموت؛ لم يأخذ منى موعدًا فى أن مرضت، وتألمت واستعددت لملاقاته، لقد صفعنى صفعة واحدة أردتنى ميتًا، دون أى عراك، خطفنى من فم الحياة، ربما موتى أعطى إشارة لهم بقرب أجل أحدهم، لكنهم غافلون أعرفهم جيدًا!

ستقولون من الغافلين؟ من أقصد بهم تحديدًا! سأتحدث عنهم ربما كانوا جزءًا من موتى؟ لا أعلم لأنى الآن فقط أصبحت لى القدرة العجيبة على التغلغل إلى قلوبهم، وسماع ما يقولونه، وما يخططون له؛ يا لهذا الموت العجيب!

لقد أصبحت أسمع همسهم جيدًا دفعة واحدة، وأعرف من القائل.. هذا أو ذاك، يا لها من قدرة كبيرة وعظيمة، تمنيتها عندما كنت على قيد الحياة، حتى أعرف من يحبنى ومن يكرهنى تمنيتها أكثر عند المراهقة، حين كنت أعشق سامية؛ ولم تعطِ لى أى إشارة بأنها تبادلنى الإحساس نفسه، كنت حينها أذبل كورق الورد فى صمت، وأدفن اسمها فى مقبرة قلبى، أفعل ذلك مع الكثيرات حتى أضحى قلبى مقابر لهن لكنى أفتعل القوّة وأقاوم.

الحياة يلزمها قلب ميت لتستمر بالعيش فيها، أمام الحب كل شىء يصبح عجيبًا، لكن ولحفظ كرامتى أفتعل التجاهل إلى أن أتأقلم مع عواطفى، فأسيّرها كلاعب سيرك فوق حبل الكرامة إما السقوط أو الانتصار.

مقطع من رواية: قبل الموتش