زوجتى كانت تعرف بشذوذى وتصويرى للعاريات.. اعترافات "أندريه جيد" عن عوالمه السرية
تحل اليوم ذكرى ميلاد الكاتب الفرنسي الشهير أندريه جيد، والذي ولد في مثل هذا اليوم من عام 1869، ضمن عائلة فرنسية بروتستانتية برجوازية لأب يعمل بالمحاماة وأم من عائلة ثرية.
وحياة جيد نفسها بها العديد من الغرائب، وكان قبل وفاته قد سجل اعترافاته في آخر كتاب نشره ويتضمن الكتاب الاعترافات صريحة جدا تتصل بحياته الزوجية وشذوذه الجنسي وأورد فيه الكثير مما لم ينشره او يقله في حياة زوجته التي سبقته إلى الموت عام 1938، وجاء الكتاب تحت عنوان "اعترافاتي.. وما بقي الآن من السر فهو عندك".
اعترافات أندريه جيد
يقول عبد العزيز عبد المجيد في مقال نشره عما يتضمنه كتاب اعترافات أندريه جيد، عام 1954 بمجلة الآداب: “كان لأندريه ابنة عم تدعى مادلين روندو، وهي التي أمضى معها طفولته في اللعب بضيعة والدها، ولكن حادثًا محزنًا كان نقطة التحول في حياتها، فلقد اكتشفت وهي في سن الرابعة عشرة أن أمها كانت تخون أباها، وقد عرف سكان الضيعة هذا الأمر ولاكته ألسنتهم، وكأنما أرادت الفتاة مادلين ان تنزوي عن العالم، فلا تواجه العار الذي اكتسبته امها، فانطوت على نفسها، وفرت من كل المجتمعات وانصرفت عن كل الناس، إلا ابن عمتها أندريه، الذي زادت علاقتها به، ووقفت اسرارها وخلواتها عليه”.
مادلين
يواصل: "أحس أندريه في ذلك الوقت بميل مادلين اليه فأغرم بها غرام مواساة وعطف، وإعجاب بعقلها وخلقها، وقد نما هذا الاعجاب بمرور السنين فصار حبًا؛ حبًا لا لمادلين نفسها، ولكن لرجاحة عقلها واتزانها ووداعة خلقها، ولم يكن حبًا لجسمها أو جاذبيتها الجنسية، وإذا فقد كانت مادلين، وهي أكبر من ابن عمتها أندريه، مثلا أعلى له في العقل والخلق، وكان تعلقه بها لهذه الخصائص.
ويكمل: "ماتت أم أندريه وكان يبلغ وقتها 26 عاما، وكان ذلك عام ١٨٩٥، وقتها شعر بفراغ كبير في حياته، وبحاجة لامرأة تحل محل امه، المرأة التي يجد لديها حنين، وتعتنى بحاجاته المنزلية، والتي توفر له من وسائل الراحة والعطف ما كان يجده عند امه، لقد نظر حوله فلم يجد غير مادلين تستطيع ان تحل محل الأم، وكما يقول علماء النفس إن الرجل الذي كان ينافس اباه في حب امه اثناء طفولته ينقل هذا الحب الى زوجه عند الرجولة، ويتوقع منها ما كان يتوقع من أمه في طفولته.
وتابع: "وهكذا وجد أندريه في مادلين بديل أمه وتزوجها في العام نفسه الذي ماتت فيه الأم، كان أندريه قد انحرف في صلاته الجنسية عند سن المراهقة، ومعناه صرح بهذا في بعض مؤلفاته، وفي يومياته، كما في "كريدون" وحاول أن يبرر هذا السلوك الشاذ بل ويدعو إليه باعتباره سلوكًا طبيعيًا في حياة الانسان، نجده في مؤلفه الأخير هذا يعيد الحديث ويصرح بأنه انغمس في هذا السلوك انغماسًا مسرفًا حينما كان في إحدى رحلاته بجنوبي تونس سنة ۱۸۹۳. ولم يكن أندريه جيدا لوطيًا فقط، بل كان كذلك مغرمًا بالنساء. وهو يقول معترفًا، إنه أقدم على زواج مادلين وهو عارف بشذوذه وبغرامه الجنسي المتشعب النواحي، ولكنه كان يرجو أن يمنح زوجه مادلين قلبه وجسمه معًا. فهل نجح في هذا؟ كلا لم ينجح، لأنه يعترف بأن حبه لمادلين لم يكن حبًا جنسيًا جسمانيا، ولم يشعر بجاذبية أنوثتها له منذ اللحظة الاولى من زواجها، ولم يقع بينها ما يقع بين الرجل والمرأة، وقد أدركت مادلين هذا كله، ولم تحتج أو تثر، كان يتركها وحدها تتنزه وتتفرج، ويذهب هو يتصيد "الارتستات" من الإيطاليات ويأخذهن إلى الفندق بحجة تصويرهن عاريات بآلة التصوير الشمسي، وهو فن كان مغرما به، ثم كان يري زوجه تلك الصور العارية وما كانت تحتج أو تثور، لم تكن زوجه جاهلة لسلوكه مع هؤلاء الفتيات أو عمياء عنه، فلقد حدثها به صاحب الفندق - كما يقول أندريه جيد نفسه – ومع ذلك لم تثر.
وأضاف: "لقد كانت مادلين تحب أندريه بقدر ما كان يحبها هو ولكن حبًا روحيًا أو عقليًا لا دخل للجسم فيه، كان أندريه يشبع شهواته الشاذة والطبيعية بصور مختلفة، أما مادلين فقد بقيت على وفائها لزوجها تقوم على حاجاته قيام الخادم المخلص الأمين، وانصرفت - لتعوض عن هذا الحرمان الجنسى - إلى ناحية روحية في الحياة هي الناحية الدينية وناحية البر بالمعوزين في الضيعة التي ورثتها عن أبيها، ونشأت فيها مع أندريه، ضيعة "كوفير فيل" على ساحل نورماندي، ويعترف أندريه جيد في كتابه هذا بانه بينما كان في القطار بشمال إفريقيا - أثناء: شهر العسل، ومعه مادلين كان مسافرًا معه في العربة نفسها ثلاثة صبيان فرنسيين أخذ أندريه يغازلهم، وكانت مادلين تلاحظ كل هذا خلسة متجاهلة، ولم تبد اعتراضًا أو نقدًا - كما يقول هو - حتى إذا انصرف الصبيان، قالت له زوجه في نغمة مؤنبة: لقد كنت في سلوكك الشائن مع الصبيان كالمجرم أو المجنون.
وأوضح: لقد طرحت مادلين العلاقات الزوجية الجنسية جانبًا، ولجأت إلى الحيلة الصامتة، والعمل في المنزل والضيعة والكنيسة، وكأنها وجدت في كل هذا تعويضًا عما حرمته في حياتها الزوجية، وليس عجيبًا ان لم تحاول مادلين خيانة زوجها - كما فعل هو علنًا ـ فقد كانت الصدمة القاسية التي تلقتها في باكورة شبابها، حين اكتشفت خيانة أمها، وقد غمرتها بموجة من الحزن والعار جعلتها تنظر إلى هذه الخيانة الزوجية تصدر من المرأة على أنها جريمة اخلاقية كبرى، إن الدور الذي لعبته مادلين في حياة اندريه جيد، قبل الزواج وبعده يعترف به هو حين يقول "لقد كانت ملهمتي في كل ما اكتب، ولقد كانت تمثلها دائمًا بإحدى الشخصيات في رواياتي، وليس من شك في أن القارئ، لقصة "اللا أخلاقي" التي نشرت سنة ۱۹۰۲ يدرك عند انتهائه من القصة أن النساء تلك الزوجة التي انصرفت عن الحياة الزوجية، وعن ابن عمتها وزوجها، إلى العبادة وخدمة الله ما هي إلا شخصية مادلين نفسها.
لقد ضم كتاب "وما بقى الآن فهو عندك" اعترافات اندريه جيد بأخطائه الزوجية، وسجل فيه اعترافه بالإثم الذي ارتكبه نحو الملاك الذي وهبه القلب والروح والجسم، فلم يقدر هذه الهبة وأنكرها بأعماله الآثمة اثناء حياة هذا الملاك، إنه يقول هذا وينشره بعد إن ماتت زوجه، ذلك لأنه نشر هذا الكتاب في سنة ١٩٤٧، سنة نيله جائزة نوبل، ومن الغريب أنه لم يطبع من هذا الكتاب، في هذه الطبعة، إلا ثلاث عشرة نسخة وزعها على الخاصة من اصدقائه، كأنما اراد أن يتأكد قبل موته من أن خطاياه قد اعلنت وأنه باعترافاته هذه قد يجد راحة الضمير، أو يتخذ بذلك وسيلة للتكفير عن سيئاته، وكأن أندريه جيد أراد ألا تجزم بأن كل اخطائه قد اعترف بها في هذا الكتاب وأراد أن يقول لزوجه، حين اختار عنوان الكتاب، هذه اعترافاتي وما بقى الآن من السر فهو عندك.